أنا، فمفعوله محذوف، أي : يخسرون الناس متاعهم.
قال المؤرج : يخسرون أي ينقصون بلغة " قريش ".

فصل في تفسير الآية قال الزجاج : المعنى : إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل والوزن.


أي : إذا استوفوا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، " وإذَا كَالُوهُمْ أو وزَنُوهُمْ " أي : كالوا لهم، أو وزنوا لهم، أي : للناس، ولمَّا كان اكتيالهم من الناس اكتيالاً فيه إضرارٌ بهم، وتحاملٌ عليهم أقيمَ " على " مقام " من " للدلالة على ذلك.
وقال الكسائيُّ والفراءُ : حذف الجار وأوصل الفعل، وهذا من كلام أهل الحجاز، ومن جاورهم، يقال : وزنتك حقك، وكلتك طعامك أي : وزنت لك، وكلتُ لك، كما يقال : نصحتك، ونصحت لك، وكسيتك، وكسيت لك.
وقال الفراء : المراد اكتالوا من الناس، و " على " و " من " يتعاقبان ؛ لأنه حق عليه فإذا فلت : اكتلت عليك، فكأنه قال : أخذت ما عليك، وإذا قلت : اكتلت منك فهو كقولك : استوفيت منك.
وقيل : على حذف مضاف، أي : إذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا لهم موزونهم.
قوله :﴿أَلا يَظُنُّ﴾ : الظَّاهر أنَّها " ألا " التحضيضية، حضهم على ذلك، ويكون الظنُّ بمعنى : اليقين.
وقيل : هي " لا " النافية دخلت عليها همزة الاستفهام.
ومعنى الآية : ألا يستيقن أولئك الذي يفعلون بأنهم مبعوثون ليوم عظيم، وهو يوم القيامة، وفي الظن هنا قولان : أحدهما : أنَّ المراد به : العلمُ، وعلى هذا التقدير يحتملُ أن يكون المخاطبون بهذا الخطاب من جملة المصدِّقين بالبعث، ويحتمل ألاَّ يكونوا كذلك لتمكُّنهم من الاستدلال عليه بالفعل.
الثاني : أنَّ المراد بالظن هنا : هو الظن نفسه، لا العلم، ويكون المعنى : هؤلاء المطففون هَبْ أنهم لا يجزمون بالبعث، ولكن لا أقل من الظن لوضوح أدلَّته، فإنَّ الأليق بحكمة الله - تعالى - ورحمته، ورعايته مصالح خلقه ألاَّ يهمل أرمهم بعد الموت، وأن يكون لهم نشر وحشر، وأن هذا الظَّن كافٍ في حصول الخوف.
قوله :﴿يَوْمَ﴾ : يجوز نصبه بـ " مبعوثون ".
قال الزمخشريُّ : أو بـ " يبعثون " مقدراً، أو على البدل من محل اليوم، أو
٢٠٩
بإضمار " أعني "، أو هو مرفوع المحل لإضافته لفعل وإن كان مضارعاً، كما هو رأيُ الكوفيين، ويدل على صحة هذين الوجهين، قراءة زيد بن عليٍّ :" يَوْمَ يقُومُ " بالرفع، وما حكاه أبو معاذ القارئ :" يومِ " بالجر على ما تقدَّم.
فصل في المراد بقيام الناس لرب العالمين قيام الناس لرب العالمين إمَّا للحساب، وإمَّا قيامهم من القبور.
وقال أبُو مسلم : قيامهم له عبارة عن طاعتهم له وانقيادهم، كقوله تعالى :﴿وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار : ١٩]، وفي الحديث :" إنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِقدارَ ثَلاثِمائةِ سَنَة لا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ ".
وعن ابن عباس : وهو في حقِّ المؤمنين كقدر انصرافهم من الصلاة.
وفي هذه الآيات مبالغات، منها أنَّ الويل إنما يذكر عند شدة البلاء، ومنها الإنكار بقوله تعالى :﴿أَلا يَظُنُّ أُوْلَـائِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ﴾، ومنها استعظامه - تعالى - لليومِ، ومنها تأكيده بما بعده، وما يوهم ذلك، وما يقتضيه خمن خضوعهم وذلتهم، وفي هذا نكتة، وهي كأن قائلاً يقول : هذا التشديد العظيم، والوعيد البليغ، كيف يكون على التطفيف مع نزارته، وزهادته، وكرم المولى وإحسانه ؟.
فأشار بقوله :﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ إلى أنَّه مُربيهم ومسئول عن أمورهم، فلا يليق أن يهمل من أمورهم شيئاً.
فصل في الكلام على لفظ " المطفف " قال القشيري : لفظ المطفِّف يتناول في الوزن والكيل، وفي إظهار العيب، وإخفائه ؛ وفي طلب الإنصاف والانتصاف، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه، فليس بمنصف، والمباشرة والصحبة من هذه المادة، والذي يرى عيب الناس، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة، ومن طلب حقَّ نفسه من الناس، ولا يعطيهم حقوقهم، كما يتطلبه.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٠٥
قوله تعالى :﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ﴾.
٢١٠


الصفحة التالية
Icon