وقال ابن عطيَّة هنا كما قال هناك، ويرد عليه بما تقدم، و " علِّيُّون " : جمع " عِلِّيِّ "، أو هو اسم مكان في أعْلَى الجنة، وجرى مجرى جمع العقلاء، فرفع الواو، ونصب وجر بالياء، مع فوات شرط العقل.
وقال أبو البقاء : واحدها " عليّ " وهو الملك.
وقيل : هو صيغة للجمع مثل عشرين، ثم ذكر نحواً مما ذكره في " سِجِّين " من الحذف المتقدم.
وقال الزمخشري :" عِلِّيُّون " علم لديوان الخير الذي دوِّن فيه كلُّ ما علمته الملائكة وصلحاء الثقلين منقول من جمع " عليّ " " فعيل " من العلو كـ " سجين " من السجن، سمي بذلك ؛ إمَّا لأنَّه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات في الجنة، وإما لأنَّه مرفوع في السماء السابعة.
وتلك الأقوال الماضية في " سجِّين " كلُّها عائدة هنا.
وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أنَّها السماء السابعة.
وقال مقاتلٌ وقتادةُ : هي سدرةُ المنتهى.
وقال الفراء : يعني : ارتفاعها بعد ارتفاع لا غاية له.
وقال الزجاجُ : أعْلَى الأمْكِنَةِ.
وقال آخرون : هي مراتب عالية محفوفة بالجلالة.
وقال آخرون : عند كتاب أعمال الملائكة، لقوله تعالى :﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ وذلك تنبيه على أنَّه معلوم، وأنه سيعرفه، ثم قال تعالى :﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ فبين أن كتابهم في هذا الكتاب بالمرقوم الذي يشهده المقربون من الملائكة، فكأنَّه - تعالى - كما وكلَّهم باللوح المحفوظ، فكذلك وكلَّهُم بحفظ كُتبِ الأبرار في جملة ذلك الكتاب الذي هو أن الكتاب على وجه الإعظام له، ولا يمنع أن الحفظة إذا صعدت تكتب الأبرار بأنهم يسلمونها إلى هؤلاء المقربين، فيحفظونها كما يحفظون كتب أنفسهم، أو ينقلون ما في تلك الصحائف إلى ذلك الكتاب الذي وُكِّلوا بحفظه، ويصير علمهم شهادة لهؤلاء الأبرار، فلذلك يحاسبون حساباً يسيراً.
وقيل : المعنى : ارتفاع بعد ارتفاع.
٢١٨
وقال أبو مسلم : هذا كناية عن العلو والرفعة، والأول عن الذُّلِّ والإهانةِ.
وقال ابن عباسٍ رضي الله عنهما :" عِلِّيُّون " : لوحٌ من زبرجدة خضراء معلَّق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه.
قال كعب وقتادة : هي قائمة العرش اليمنى.
وقال ابن عباس : هو الجنة.
وقال الضحاكُ : سدرةُ المنتهى.
وقوله تعالى :﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ : ليس فيه تفسير عليِّين، أي : مكتوب أعمالهم كما تقدم في كتاب الفجار.
وقيل : كتب هناك ما أعد الله لهم من الكرامة.
قوله :﴿يَشْهَدُهُ﴾ : جملة يجوز أن تكون صفة ثانية، وأن تكون مستأنفة، والمعنى : أنَّ الملائكة الذين هم في عليين يشهدون، ويحضرون ذلك المكتوب وذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين.
قوله تعالى :﴿إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾.
لمَّا عظم كتابهم عظم منزلتهم بأنَّهم في النعيم ثم بين ذلك النعيم بأمورْ، ثلاثة : أولها : بقوله تعالى :﴿عَلَى الأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ﴾.
قال القفَّال :" الأرائك " : الأسِرَّة في الحجال، ولا تُسَمَّى أريكة فيما زعموا إلا إذا كان كذلك.
وعن الحسن - رضي الله عنه - كُنَّا لا ندري ما الأريكةُ، حتى لقينا رجلٌ من أهل " اليمن "، أخبرنا أن الأريكة عندهم ذلك.
وقوله :" يَنْظُرُون : قيل : إلى أنواع نعيمهم من الحُور والولدان، وأنواع الأطعمة والأشربة والملابس والمراكب وغيرها.
وقال مقاتلٌ : ينظرون إلى عدوِّهم حين يعذبون.
وقيل : إذا اشتهوا شيئاً نظروا إليه، فيحضرهم ذلك في الشيء في الحال قيل : يحمل على الكل.
٢١٩


الصفحة التالية
Icon