وكذلك في باقي القصيدة ؛ وإجراء الفواصل في الوقف مَجْرَى القوافي مهيع معروف كقوله تعالى :﴿الظُّنُونَاْ﴾ والرسولا، في سورة " الأحزاب " [١٠و ٦٦]، وحمل الوصل على حالة الوقف موجود في الفواصل أيضاً.
فصل في المراد بانشقاق السماء انشقاق السماء من علامات القيامة، وقد تقدَّم شرحه.
وعن علي - رضي الله عنه - أنَّها تنشق من المجرَّة، وقال : المجرَّة : باب السماء.
قوله :﴿وَأَذِنَتْ﴾.
عطف على " انشقت "، وقد تقدَّم أنَّه جواب على زيادة الواو.
ومعنى " وأذنت " : أي : استمتعت أمره، يقال : أذنت لك : استمعت لك، وفي الحديث :" مَا أذِنَ اللهُ لِشَيءٍ كأذنِهِ لِنَبيِّ يَتغنَّى بالقُرْآنِ ".
٢٢٨
وأنشد أبو عبيدة والمبرد والزَّجاج قول قعنب :[البسيط] ٥١٣٤ - صُمٌّ إذَا سَمِعُوا خَيْرَاً ذُكِرْتُ بِهِ
ولإنْ ذُكِرْتُ بِسُوءٍ عندهُمْ أذِنُوا
وقال آخر :[البسيط] ٥١٣٥ - إن يأذنُوا ريبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحَاً
ومَا هُمُ إذِنُوا من صالحٍ دَفنُوا
وقال الجحاف بن حكيم :[الطويل] ٥١٣٦ - إذِنْتُ لَكُمْ لمَّا سَمِعْتُ هَرِيركُمْ
……….............
…….
ومعنى الاستعارة - ها هنا - أنَّه لم يوجد في جِرْمِ السماء ما يمنع من تأثير قدرة الله تعالى في شقها، وتفريق أجزائها، فكأنَّها في قبول ذلك التأثير كالعبدِ الطائع إذا ورد عليه الأمر من جهة المالك أنصت، وأذعن، ولم يمتنع كقوله تعالى :﴿قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت : ١١]، وذلك يدل على نفوذ القدرة في الإيجاد والإبداع من غير ممانعة أصلاً.
قاله ابن الخطيب.
قوله :" وحُقَّتْ ".
الفاعل في الأصل هو الله تعالى، أي : حقَّ الله عليها ذلك، أي : بسمعهِ وطاعته، يقال : هو حقيقٌ بكذا ومحقوق، والمعنى : وحقَّ لها أن تفعل.
قال الضحاكُ :" حَقَّتْ " أطاعت وحقَّ أن تُطِيعَ.
وقال ابن الخطيب : وهو من قولك : محقوقٌ بكذا وحقيقٌ به، وهي حقيقة بأن تنقاد، ولا تمتنع.
قوله :﴿وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ﴾ مد الأديم.
وقيل :" مُدَّتْ " بمعنى : أمدت وزيد في سعتها وقال مقاتلٌ رضي الله عنه : سُويت كمدّ الأديمِ، فلا يبقى فيها بناء ولا جبل، كقوله تعالى :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ﴾ [طه : ١٠٥] الآية.
٢٢٩
قوله :﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾.
أي : أخرجت ما فيها من الموتى والكنوز، لقوله تعالى :﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ [الزلزلة : ٢]، " وتَخَلَّت " أي : خليتْ منها، ولم يبق في بطنها شيء، وذلك يؤذنُ بعظم الأمر كما تلقي الحامل ما في بطنها عند الشدة، ووصفت الأرض بذلك توسعاً وإلا فالتحقيق أنَّ الله تبارك وتعالى هو المخرج لتلك الأشياءِ من بطن الأرض ؟ قوله تعالى :﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾.
تقدَّم تفسيره، وهذا ليس بتكرار ؛ لأن الأوَّل في السماء وهذا في الأرض.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٢٦
قوله :﴿ يا أيها الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ﴾.
قيل : المراد جنس الإنسان، كقولك : يا أيها الرجل، فكان خطاباً خص به كل واحد من الناس.
قال القفال : وهو أبلغ من العموم ؛ لأنه قائم مقام التنصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين، بخلاف اللفظ العام.
وقيل : المراد منه رجل بعينه، فقيل : هو محمد - عليه الصلاة والسلام -، والمعنى : أنك تكدح في إبلاغ رسالات الله - تعالى - وإرشاد عباده، وتحمل الضرر من الكفَّار، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل.
وقال ابنُ عبَّاسٍ : هو أبيّ بن خلفٍ، ومدحه : هو جده واجتهاده في طلب الدنيا، وإيذاء الرسول - عليه الصلاة والسلام - والإصرار على الكفر.
فصل في المراد بالكدح الكَدْحُ : قال الزمخشريُّ : جَهْدُ النفس، والكدْم فيه حتى يؤثر فيها، ومنه كدح جلدهُ إذا خدشه، ومعنى " كادح " أي : جاهد إلى لقاء ربك وهو الموت.
انتهى.
وقال ابن نقيلِ :[الطويل] ٥١٣٧ - ومَا الدَّهْرُ إلاَّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا
أمُوتُ، وأخرَى أبْتَغِي العِيْشَ أكْدَحُ
٢٣٠
وقال آخر :[الكامل] ٥١٣٨ - ومَضَتْ بَشَاشَةُ كُلِّ عَيْشٍ صالحٍ
وبَقِيتُ أكْدَحُ لِلْحياةِ وأنْصَبُ