قال ابن الخطيب : واعلم أنَّه تعالى، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات.
فقال تعالى :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي : كالأب، " والأرض ذات الصدع " كالأم، وكلاهما من النعم العظام ؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكرراً، وعلى ما ينبت من الارض كذلك، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه، وهو قوله تعالى :﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾.
وهذا جواب القسم، والضمير في " إنَّه " للقرآن، أي : إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.
وقال القفالُ : يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى : ما أخرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل، وحق، والفصل : الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل، ومنه فصل الخصومات، وهو قطعها بالحكم الجزم، [ويقال : هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع.
وقيل : معناه جد] لقوله :﴿وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ﴾.
أي : باللعب، والهزل : ضد الجد والتشمير في الأمر، يقال : هزل يهزل.
قال الكميتُ :[الطويل]
٥١٧٢ - تَجُدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَومٍ وتهْزِلُ
قوله :﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً﴾، أي : أنَّ اعداء الله يكيدون كيداً، أي : يمكرون بمحمد ﷺ وأصحابه مكراً.
قيل : الكَيْدُ : إلقاء الشبهات، كقولهم :﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾ [المؤمنون : ٣٧] ﴿مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس : ٧٨]، ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَاهاً وَاحِداً﴾ [ص : ٥]، ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف : ٣١]، ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان : ٥].
وقيل : الطعن فيه بكونه ساحراً، أو شاعراً، او مجنوناً، حاشاه من ذلم صلى الله عليه وسلم.
وقيل : قصدهم قتله، لقوله تعالى :﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [الأنفال : ٣٠] الآية.
وأما قوله :﴿وَأَكِيدُ كَيْداً﴾.
أي : أجازيهم جزاء كيدهم.
٢٦٩
وقيل : هو ما أوقع الله - تعالى - بهم يوم " بدر " من القتل، والأسر.
وقيل : استدراجهم من حيث لا يعلمون.
وقيل : كيد الله تعالى، بنصره وإعلاء درجته ﷺ تسمية لأحد المقتابلين باسم الآخر، كقوله تعالى :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى : ٤٠] ؛ قوول الشاعر :[الوافر] ٥١٧٣ - ألاَ لاَ يجْهلَنْ أحَدٌ عليْنَا
فَنجهَلَ فوْقَ جَهْلِ الجَاهِلينَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٧
وقوله تعالى :﴿نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ [الحشر : ١٩]، ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾ [النساء : ١٤٢].
قوله :﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾.
أي : لا تدع بهلاكهم، ولا تستعجل، وارض بما تريده في أمورهم، ثم نسخت بقوله تعالى :﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة : ٥].
قوله :﴿أَمْهِلْهُمْ﴾.
هذه قراءة العامة، لما كرر الأمر توكيداً خالف بين اللفظين.
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما :" مَهِّلهُمْ " كالأول، ومهَّل وأمْهَل بمعنى مثل : نزل وأنزل، والإمهال والتَّمهيل : الانتظار، يقال : أمهاتك كذا، أي : انتظرتك لتفعله، والاسم : المهلة والاستمهال : الانتظار، والمَهْل : الرِّفقُ والتُّؤدةُ، وتمهل في أمره : أي : أتاه، وتمهَّلَ تمهيلاً : اعتدل وانتصب، والامتهال : سكون وفتور، ويقال : مهلاً يا فلان، اي رفقاً وسكوناً.
قوله :﴿رُوَيْداً﴾.
مصدر مؤكد لمعنى العامل، وهو تصغير إرواد على الترخيم، وقيل : بل هو تصغير " رود " كذا قال أبو عبيد.
وأنشد :[البسيط]
٥١٧٤ - كَأنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي على رَوَدِ
أي : على مهل.
واعلم أن " رويداً " : يستعمل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعله، فيضاف تارة، كقوله تعالى :﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ﴾ [محمد : ٤]، ولا يضاف أخرى، نحو : رويداً زيداًن ويقع حالاً، نجو : ساروا رويداً، أي : متمهلين، ونعت المصدر، نحو :" ساروا رويداً "، أي : سيراً رويداً، وتفسير " رويداً " مهلاً، وتفسير " رويدك " أمهل ؛ لأن الكاف إنمت تدخله إذا كان بمعنى :" افعل " دون غيره، وإنَّما حُرِّكت الدال للاتقاء الساكنين، ونصب نصب
٢٧٠
المصادر، وهو مصغَّر مأمور به ؛ لأنه تصغير الترخيم من " إرواد " : وهو مصدر :" أرود، يرود " وله أربعة أوجه : اسماً للفعل، وصفة، وحالاً، ومصدراً، وقد تقدم ذكرها.
قال ابن عباس : رضي الله عنهما - :" رويداً " أي : قريباً.
وقال قتادةُ : قليلاً.
وقيل :﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾ إلى يوم القيامة، وإنما صغَّر ذلك من حيث إن كل آت قريب.
وقيل :" أمهلهم رويداً " إلى يوم يرد.
" روى الثعلبي عن أبي بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ ﴿وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ﴾ اعطاهُ اللهُ مِنَ الأجْرِ بعَددِ كُلِّ نجمٍ في السَّماءِ عَشْرَ حَسَناتٍ " والله تعالى أعلم.
٢٧١
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٧