فإن قيل : الله - تعالى - عالم بعواقب الأمور بمن يؤمن، ومن لا يؤمن، ولتعليق بالشرط، إنما يحسن في حق من ليس بعالم.
فالجواب : أن أمر البعثة والدعوة شيء، وعلمه تعالى بالمغيبات، وعواقب الأمور غيره، ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر، كقوله تعالى لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - :﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه : ٤٤]، وهو تعالى عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى.
فإن قيل : التذكير المأمور به، هل هو مضبوط بعدد أو لا ؟ وكيف يكون الخروج عن عهدة التذكير ؟.
والجواب أن المعتبر في التذكير والتكرير هو العرف.
قوله :﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى ﴾، أي : يتّقي الله ويخافه.
قال ابن عباس - رضي الله عنهمما - نزلت في ابن مكتوم.
وقيل : في عثمان بن عفان قال الماوردي : وقد يذكره من يرجوه إلا أنَّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي ؛ فلذلك علقها بالخشية والرجاء قيل المعنى : عَمِّمْ أنْتَ التذكير والوغظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء.
حكاه القشيري، ولذلك علقها بالخشية دون الرجاء، وإن تعلَّقت بالخشية والرجاء.
فإن قيل : التذكير إنما يكون بشيء قد علم، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين ؟.
فالجواب : أن ذلك لظهوره وقوة دليله، كأنه معلوم، لكنه يزول بسبب التقليد والعناد، فلذلك سمي بالتذكير، والسين في قوله :" سيذكر " يحتمل أن تكون بمعنى :" سوف "، و " سوف " من الله تعالى واجب، كقوله تعالى :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾ [الأعلى : ٦]، ويحتمل أن يكون المعنى : أن من خشي، فإ ؟ نه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التذكير والنَّظر.
قوله :﴿وَيَتَجَنَّبُهَا﴾ أي : الذِّكرى، يبعد عنها الأشقى، أي : الشقي في علم الله تعالى، لمَّّا بيَّن من ينتفع بالذكرى بيَّن بعده من لا ينتفع بها وهو الكافر الأشقى.
قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
﴿الَّذِى يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾ أي : العظمى، وهي السفلى من طباق النَّار، قاله الفراء.
وعن الحسن :" الكُبْرَى " : نَارُ جهنَّم، وا االصُّغرى : نارُ الدُّنْيَا.
٢٨٣
وقيل : في الاخرة نيران ودركات متفاضلة، كما في الدنيا ذُنُوبٌ ومعاصي متفاضلة، فكما أنَّ الكافر أشقى العصاة، فكذلك يصلى أعظم النيران.
فإن قيل : لفظ الأشقى لا يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم ؟.
فالجواب ان لفظ " الأشقى " لا يستدعي وجود الشقي إذ قد يرد هذا اللفظ من غير مشاركة، كقوله :﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان : ٢٤]، " ويتَجنَّبُهَا الأشْقَى "، كقوله :﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم : ٢٧].
وقال ابن الخطيب : الفرق ثلاث : العارف، والمتوقف، والمعاند، فالسعيد : هوالعارف، والمتوقف له بعض الشقاء، والأشقى : هو المعاند.
قوله :﴿ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا﴾ ؛ لا يموت قيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه، كقوله تعالى :﴿لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر : ٣٦].
فإن قيل : هذه الآية تقتضي أن ثمَّة حالة غير الحياة والموت، وذلك غير معقول ؟.
فالجواب : قال بعضهم : هذا كقول العرب للمبتلى بالبلاء الشديد : لا هو حي، ولا هو ميت.
وقيل : إن نفس أحدهم في النار تمرُّ في حلقه، فلا تخرج للموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم، فيحيى.
وقيل : حياتهم كحياة المذبوح وحركته قبل مفارقة الروح، فلا هو حي ؛ لأن الروح لم تفارقه بعد، ولا هو ميت ؛ لأن الميت هو الذي تفارق روحه جسده.
و " ثمّ " للتراخي بين الرتب في الشدة.
قوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى ﴾ أي : صادف البقاء في الجنة، أي : من تطهَّر من الشِّركِ بالإيمان قاله ابن عباسٍ وعطاءٌ وعكرمةُ.
وقال الربيعُ والحسنُ : من كان عمله زاكياً نامياً وهو قول الزجاج.
وقال قتادةُ :" تزكَّى "، أي : عمل صالحاً.
وعن عطاءٍ، وأبي العالية : نزلت في صدقة الفطر.
٢٨٤