﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ أي : مرتفعة ؛ لأنها فوق السماوات.
وقيل : عالية القدر، لأن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذُّ الأعين.
قوله :﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾.
قرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرو : بالياء من تحت مضمومة ؛ على ما لم يسم فاعله، " لاغية " رفعاً لقيامه الفاعل.
وقرأ نافع كذلك إلا أنه بالتاء من فوق، والتذكير واضحان ؛ لأن التأنيث مجازي.
وقرأ الباقون : بفتح التاء من فوق، ونصب :" لاغية "، فيجوز أن تكون التاء للخطاب، أي : لا تسمع أنت، وأن تكون للتأنيث، أي : لا تسمع الوجوه.
وقرأ الفضلُ والجحدري :" لا يَسْمَعُ " بياء الغيبة مفتوحة " لاغيةً " نصباً، أي : لا يسمع فيها أحد.
و " لاغية " يجوز أن تكون صفة لكمة على معنى : النسب، أي : ذات لغو، أو على إسناد اللغو إليها مجازاً، وأن تكون صفة لجماعة : أي : جماعة لاغية، وأن تكون مصدراً، كالعافية والعاقبة، كقوله :﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ [الواقعة : ٢٥]، واللَّغْوُ : اللَّغَا واللاغية بمعتنى واحد ؛ قال الشاعر :[الرجز]
٥١٨٥ - عَنِ اللَّغَا ورفَثِ التَّكلُّمِ
قال الفراء والخفش : أي : لا تسمع فيها كلمة لغوٍ.
والمراد باللغو : ستة أوجه : أحدها : كذباً وبهتاناً وكفاً بالله عز وجل، قاله ابن عباس.
الثاني : لا باطل ولا إثم، قاله قتادة.
الثالث : أنه الشتم، قاله مجاهد.
٢٩٧
الرابع : المعصية، قاله الحسن.
الخامس : لا يسمع فيها حالف يحلف بكذب، قاله الفراء.
وقال الكلبي : لا يسمع في الجنة حالف بيمين برّة ولا فاجرة.
السادس : لا يسمع في كرمهم كلمة لغوٍ ؛ لأن أهل الجنَّة لا يتكلمون إلا بالحكمة، وحمد الله على ما رزقهم من النعيم الدائم.
قاله الفراء، وهو أحسن الأقوال، قاله القفال والزجاج.
قوله :﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾.
أي : بماء مندفق، وأنواع الأشربة اللذيذة على وجه الأرض من غير أخدود.
قال الزمخشريُّ : يريد عيوناً في غاية الكثرة، كقوله تعالى :﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ [الانفطار : ٥].
قوله :﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾، أي : عالية من الهواء.
﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾ والأكواب : الكيزان التي لا عُرى لها، والإبريق : هو ما له عروةٌ وخرطوم، والكوب : ما ليس له عروةٌ وخرطوم.
وقوله :﴿مَّوْضُوعَةٌ﴾ أي : معدة لأهلها.
وقيل : موضوعة على حافات العين الجارية.
وقيل : موضوعة بين أيديهم لاستحسانهم إياها، لكونها من ذهب، وفضة، وجوهر، وتلذذهم بالشرب منها.
وقيل : موضوعة عن حد الكبر، أي هي أوساط بين الصغر والكبر، كقوله تعالى :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾ [الإنسان : ١٦].
قوله :﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾، النمارق جمع " نمرق " وهي الوسادة قالت : ٥١٨٦أ - نَحْنُ بَناتُ طَارِقْ
نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٩٦
وقال الشاعر :
٢٩٨
٥١٨٦ب - كُهُولٌ وشُبَّانٌ حِسانٌ وجُوههُمْ
عَلى سُررٍ مَصْفوفَةٍ ونَمارِقِ
والنمرق والنمرقة : وسادةٌ صغيرة.
والنمرق : بضم النون والراء وكسرهما لغتان ؛ أشهرهما الأولى.
قوله :﴿وَزَرَابِيُّ﴾ : جمع " زَرْبيَّة " [بفتح الزاي وكسرها] لغتان مشهورتان، وهي البسط العراض.
وقيل : ما له منها خملة.
قال أبو عبيدة :" الزَّرَابِيُّ " : الطنافس التي لها خمل رقيق، واحدتها : زَرْبيّة.
قال الكلبيُّ والفراءُ " " المَبْثُوثَة " : المبسوطة.
وقال عكرمةُ : بعضها فوق بعض.
وقال الفراء : كثيرة.
وقال القتبي : متفرقة في المجالس.
قال القرطبي : وهذا أصح، فهي كثيرة متفرقة، ومنه قوله تعالى :﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ [البقرة : ١٦٤].
وقال أبو بكر بنُ الأنباريِّ : وحددَّثنا أحمدُ بنُ الحُسينِ، قال : حدثنا حُسَيْنُ بنُ عرفةَ قال : حدثنا عمَّار بنُ محمدٍ، قال : صليت خلف منصور بنِ المعتمرِ، فقرأ :﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ وقرأ :﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ : متكئين فيها ناعمين.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٩٦
قوله :﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، لما ذكر الله - تعالى - أمر الدارين تعجب الكفَِّار من ذلك، فكذبوا وأنكروا، فذكرهم الله صنعته، وقدرته، وأنه - تعالى - قادر على كل شيء، كما خلق الحيوانات والسماء والأرض، وذكر الإبل أولاً ؛ لأنها كثيرة في بلاد العرب، ولم يروا الفيلة، فنبَّههم تعالى على عظيم من خلقه، قد ذلله للصغير من خلقه يقوده وينيخه وينهضه، ويحمل عليه الثقيل من الأحمال، وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس ذلك في شيء وينيخه وينهضه، ويجمل عليه الثقيل من الأحمال، وهو بارك، فينهض بثقيل حمله، وليس كذلك في شيء من الحيوان غيره، فأراهم عظيماً من خلقه، يدلهم بذلك على توحيده، وعظيم قدرته تعالى.
٢٩٩


الصفحة التالية
Icon