وقال عطاءٌ والضحاكُ : الشفعُ : عشر ذي الحجة، والوتر : أيام منى الثلاثة.
وقيل : الشفع والوتر : آدم - عليه الصلاة والسلام - كان وتراً، فشفع بزوجته حواء، رواه ابن أبي نجيحٍ، وحكاه القشيريُّ عن ابن عباس [رضي الله عنهما.
وفي رواية : الشفع آدم وحواء، والوتر هو الله تعالى.
وقيل : الشفع درجات الجنة، وهي ثمان، والوتر هي دركات النار، وهي سبع، كأنه أقسم بالجنة والنار.
قاله الحسين بن الفضل.
وقيل : الشفع : الصفا والمروة، والوتر : الكعبة.
وقال مقاتل بن حيان : الشفع الأيام والليالي، والوتر الذي لا ليلة بعده، وهو يوم القيامة.
وقيل غير ذلك].
قال ابنُ الخطيبِ : كل هذه الوجوه محتملة، والظاهر لا شعار له بشيء من هذه الأشياء على التعيين، فإن ثبت في شيء منها خبرٌ عن الرسول - عليه الصلاة والسلام -، أو إجماع من أهل التأويل، حكم بأنه المراد، وإن لم يثبت، وجب أن يكون الكلام على طريقة الجواز ؛ لا على القطع، ولقائل أن يقول : إني أحمل الكلام على الكل ؛ لأن الألف واللام في :" الشفع والوتر " يفيد العموم.
قوله :﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾، هذا قسم خامس، بعدما أقسم بالليالي العشر على الخصوص، أقسم بالليل علىالعموم، ومعنى " يَسْر " أي : يسري فيه، كما يقال : ليل نائم، ونهار صائم ؛ قال :[الطويل] ٥١٩١ - لَقدْ لُمْتِنَا يا أم غِيلانَ في السُّرَى
ونِمْتِ، ومَا لَيْلُ المَطِيِّ بِنائمِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٠٧
ومنه قوله تعالى :﴿بَلْ مَكْرُ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ﴾ [سبأ : ٣٣]، وهذا قول أكثر أهل المعاني، وهو قول القتيبي والأخفش.
وقال أكثر المفسرين : معنى " يَسْر " : سار فذهب.
وقال قتادةُ وأبو العاليةِ : جاء وأقبل.
٣١٣
وقيل : المراد : ينقص، كقوله :﴿إِذْ أَدْبَرَ﴾ [المدثر : ٣٣]، ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير : ١٧].
و " يَسْرِ " : منصوب بمحذوف، هو فعل القسم، أي : أقسم به وقت سراه، وحذف ياء " يَسْرى " وقفاً، وأثبتها وصلاً، نافع وأبو عمرو، وأثبتها في الحالين ابن كثير، وحذفها في الحالين الباقون لسقوطها في خط المصحف الكريم.
وإثباتها هو الأصل ؛ لأنها لام فعل مضارع مرفوع، وحذفها لموافقة المصحف، وموافقة رءوس الآي، وجرياً للفواصل مجرى القوافي.
ومن فرق بين حالتي الوقف والوصل ؛ فلأن الوقف محل استراحة.
قال الزمخشري :" وياء " يسري " تحذف في الدَّرج اكتفاء عنها بالكسرة، وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة ".
وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم، والجواب محذوف، [تقديره :] ليعذبن، بدليل قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ﴾، إلى قوله :﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾ وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله :﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ﴾.
قيل :" هل " على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير، كقولك : ألم أنعم عليك إذا كنت قد أنعمت.
وقيل : المراد بذلك : التوحيد، لما أقسم به وأقسم عليه، والمعنى : بل في ذلك مقنع لذي حجر، ومعنى " لذي حجر " : لذي لبٍّ وعقلٍ ؛ فقال الشاعر :[الطويل] ٥١٩٢ - وكَيْفَ يُرَجَّى أنْ تَتُوبَ وإنَّمَا
يُرَجَّى مِنَ الفِتْيَانِ من كَانَ ذَا حِجْرِ
وقال أبو مالك : لذِي حِلْم.
قال الفراء : الكل يرجع إلى معنى واحد : لذي حِجْر، ولذي حِلْم، ولذي ستر، الكل بمعنى العقل.
وأصل الحِجْر : المنع، يقال لمن ملك نفسه ومنعها إنه لذو حجر.
[ومنه سمي الحجر : المنع، لامتناعه بصلابته، ومنه : حجر الحاكم على فلان أي : منعه من التصرف، ولذلك سميت الحجرة حجرة، لامتناع ما فيها بها].
٣١٤
وقال الفراء : العرب تقول : إنه لذو حجر إذا كان قاهراً لنفسه ضابطاً لها، كأنه أخذ من قولك : حجرت على الرجل.
والمعنى : أن كلَّ ذلك دال على أن كلما أقسم الله تعالى به من هذه الأشياء فيه دلائل وعجائب على التوحيد والربوبية، فهو حقيق بأن يقسم به لدلالته على خالقه.
قال القاضي : وهذه الآية تدل على أن القسم واقع برب هذه الأمور ؛ لأن الآية دالة على أن هذه مبالغة في القسم، والمبالغة لا تحصل إلا في القسم بالله تعالى ؛ ولأن النهي قد ورد بأن يحلف العاقل بغير الله تعالى.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٠٧


الصفحة التالية
Icon