والجَمُّ : الكثير، ومنه : جمَّة الماء.
قال زهير :[الطويل] ٥٢٠٧ - فَلمَّا وَرَدْنَا الماءَ زُرْقاً جِمامُهُ
..........................................
ومنه : الجُمَّةُ، للشعر، وقولهم : جاءوا الجمَّاء الغفير من ذلك.
وكتيبة ملمومة وحجر ملموم، وقولهم : إن دارك لمومة، اي تلم الناس وتجمعهم، والآكل يلم الثريد، فيجمعه لقماً، ثم يأكله.
قال الحسنُ : يأكلون نصيبهم، ونصيب غيرهم، فيجمعون نصيب غيرهم إلى نصيبهم.
وقيل : إنَّ المال الذي يتركه الميت بعضه حلال، وبعضه شبهة، وبعضه حرام، فالوارث يلم الكل، أي : يجمع البعض إلى البعض، ويأخذ الكل ويأكله.
قال الزمخشريُّ : يجوز أن يكون الذم متوجهاً إلى الوارث الذي ظفر بالمال، سهلاً مهلاً من غير أن يعرق في جبيه، فيسرق في إنفاقه، ويأكله أكلاً لمًّا جامعاً بين ألوان المشتهيات [من الأطعمة والأشربة والفواكه].
[وقال ابن زيد : كان أهل الشرك لا يورثون النساء ولا الصبيان، بل يأكلون ميراثهم وتراثهم مع تراثهم].
قوله :﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً﴾ أي : كثيراً حلاله وحرامه.
والجَمُّ : الكثير، يقال : جمَّ الشيء جُمُوماً، فهو جم وجام، ومنه : جمَّ الماء
٣٢٩
في الحوض، إذا اجتمع وكثر، والجمة : المكان الذي يجتمع فيه الماء، والجُمُوم - بالضم - المصدر يقال : جم الماء يجم جموماً : إذا كثر في البئر واجتمع، والمعنى : يحبون المال حباً شديداً.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٢٧
قوله :﴿كَلاَّ﴾ : ردعٌ لهم عن ذلك، وإنكار لفعلهم، أي : ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر، فهو ردع لانكبابهم على الدنيا وجمعهم لها.
قوله :﴿إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً﴾.
في " دكّاً " وجهان : أحدهما : أنه مصدر مؤكد، و " دَكًّا " الثاني : تأكيد للأول، تأكيداً لفظياً.
كذا قاله ابن عصفورٍ وليس المعنى على ذلك.
والثاني : أنه نُصِبَ على الحال، والمعنى : مكرراً عليها الدَّكُّ، كـ علمته الحساب باباً باباً "، وهذا ظاهر قول الزمخشري.
وكذلك :" صفًّا صفًّا " حال أيضاً، أي : مصطفين، أو ذوي صفوف كثيرة.
قال الخليل : الدَّكُّ كسر الحائط والجبل والداكداك : رمل متلبّد.
ورجل مدك : أي شديد الوطء على الأرض.
[فمعنى الدك على قول الخليل : كسر شيء على وجه الأرض من جبل أو حجر حين نزلت فلم يبق على شيء].
وقال المبرد : الدَّكُّ : حطُّ المرتفع كم الأرض بالبسط، واندك سنام البعير : إذا انفرش في ظهره، وناقة دكاء كذلك، ومنه الدكان لاستوائه غي الانفراش، فمعنى الدك على قول الخليل : كسر الشيء على وجه الأرض من جبل أو حجر جين زلزلت، فلم يبق على ظهرها شيء، وعلى قول المبرد، معناه : أنها استوت في الانفراش، فذهب دورها، وقصورها، حتى صارت كالصخرة الملساء، وهذا معنى قول ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم : تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم.
قال ابنُ الخطيبِ : وهذا التَّدكُّكُ لا بد وأن يكون متأخراً عن الزلزلة [فإذا زلزلت الأرض زلزلة] بعد زلزلة، فتكسر الجبال، وتنهدم، وتمتلئ الأغوار، وتصير ملساء، وذلك عند انقضاء الدنيا.
٣٣٠
قوله :﴿وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾.
أي : جاء أمره وقضاؤه.
قاله الحسن، وهو من باب حذف المضاف.
وقيل : جاءهم الربُّ بالآيات، كقوله تعالى :﴿إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة : ١٢٣] أي بظلل.
وقيل : جعل مجيء الآيات مجيئاً له، تفخيماً لشأن تلك الآيات، كقوله تعالى في الحديث :" يَا ابْنَ آدم مَرضتُ فلمْ تعُدِنِي، واسْتسْقَيتُكَ فَلمْ تَسقِينِي واسْتطعَمْتُكَ فَلمْ تُطْعمْنِي ".
وقيل : زالت الشبهة، وارتفعت الشكوك، وصارت المعارف ضرورية، كما تزول الشبه والسكوك عند مجيء الشيء الذي كان يشك فيه [وقيل وجاء قهر ربك، كما تقول جاءتنا بنو أمية، أي : قهرهم.
قال أهل الإشارة : ظهرت قدرته واستوت، والله - سبحانه وتعالى - لم يوسف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنَّى له التحول والانتقال، ولا مكان ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان ؛ لأن في جريان الوقت على الشيء فوات الأوقات، ومن فاته الشيء، فهو عاجز.
وأما قوله تعالى :﴿وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾ أي : والملائكة صفاً بعد صفٍّ متحلِّقن بالجن والإنس].
قوله :﴿وَجِى ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾.
" يومئذ " : منصوب بـ " جيء "، والقائم مقام الفاعل :" بجهنم " وحوز مكيٍّ : أن يكون " يومئذ " : قائم مقام الفاعل.
وأمَّا " يومئذ " الثاني فقيل : بدل من " إذا دُكَّتِ "، والعامل فيها :" يتذكر "، قاله الزمخشري وهذا مذهب سيبويه.
وقيل : إن العامل في " إذا دكت " : يقول، والعامل في " يومئذ " : يتذكر، قاله أبو البقاء.
فصل قال ابنُ مسعودٍ ومقاتلٌ :" تقادُ جهنَّمُ بِسبْعِينَ الف زمام، كُل زِمَامٍ بيدِ سبْعينَ ألْف ملكٍ يجرونها، لهَا تَغَيُّظٌ وزفيرٌ، حتَّى تنصبَّ عن يسارِ العرْشِ ".
٣٣١


الصفحة التالية
Icon