قال ابنُ عباسٍ والحسنُ :" في كبدٍ " أي : في شدة ونصبٍ وعن ابن عباسٍ أيضاً : في شدّة من حمله، وولادته، ونبت أسنانه، وسائر أحواله.
وروى عكرمةُ عنه : قال : منتصباً في بطن أمه، والكبدُ : الاستواء، والاستقامة، فهذا امتنان عليه في الحقيقة، ولم يخلق الله تعالى دابة في بطن أمها إلاَّ منكبةً على وجهها إلا ابن آدم، فإنه منتصب انتصاباً.
وهو قول النخعي ومجاهد وغيرهما.
وقال يمان : لم يخلق اله تعالى خلقاً يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق.
[وقال ابن كيسان : منتصباً في بطن أمه، فإذا أراد الله تعالى أن يخرجه من بطن أمه قلب رأسه إلى رجل أمه.
وقال الحسن : كابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة].
قال بعضُ العلماء : أول ما يكابدُ قطع سرته، ثم إذا قمط قماطاً، وشد رباطاً، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتحرك لسانه، ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الخِتَان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب سياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج، ثم يكابد شغل الأولاد، والأجناد، ثم يكابد شغل الدُّور، وبناء القصور، ثم الكِبر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدَّينِ، ووجع السن، وألم الأذُنِ، ويكابد مِحَناً في المال، والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمر عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، ثم يكابد بعد ذلك مشقة الموت، ثم بعد ذلك مساءلة الملك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث، والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة أو في النار، قال تعالى :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ فلو كان الأمر إليه، ما اختار هذه الشَّدائد، ودل هذا على أن له خالقاً دبره، وقضى عليه بهذه الأحوال، فليتمثل أمره.
وقال ابن زيد : المراد بالإنسان هنا آدم عليه السلام.
٣٤٣
وقوله تعالى :﴿فِي كَبَدٍ﴾ أي : في وسط السماء.
وقال الكلبيُّ : إنَّ هذا نزل في رجل من بني جمح، يقال له : أبو الأشدين واسمه أسيد بن كلدة بن جُمَح، وكان قوياً، وكان يأخذ الأديم العكاظي، فيجعله تحت قدميه، فيقول : من أزالني عنه فله كذا، فيجذبه عشرة حتى يتمزّق الأديم، ولا تزول قدماه، وكان من أعداء النبي ﷺ وفيه نزل :﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾، يعني : لقوته.
قوله :﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾، أي : أيظنّ ابن آدم أن لن يحاسبه الله عزَّ وجل قال ابنُ الخطيب : إن فسرنا الكبد بالشدة والقوة، فالمعنى : أيحسب الإنسان الشديد أن لشدته أن يقدر عليه أحد ؟ وإن فسرنا بالمحنة، والبلاء، كان المعنى : أنَّ الإنسان كان في النعمة، والشدة، أي : أفيظنّ أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه شيء، فهو استفهام على سبيل الإنكار.
قوله :﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً﴾ : يجوز أن تكون مستأنفة، وأن تكون حالاً.
وقرأ العامة :" لُبَداً " بضم اللام وفتح الباء.
وشدَّد أبُو جعفرٍ الباء جمع لابِدٍ، مثل : راكع وركع، وساجد وسُجَّد، وعنه أيضاً : سكونها.
ومجاهدٌ وابنُ أبِي الزِّناد : بضمتين، وتقدم الكلام على هذه اللفظة في سورة :" الجن ".
قال أبو عبيدة :" لُبَداً " : فعل من التلبيد، وهذا المال الكثير، بعضه على بعض.
قال الزَّجَّاجُ : و " فعل " للكثرة، يقال : رجل حطم، إذا كان كثير الحطم.
قال الفراءُ : واحدته :" لُبْدَة " و " لُبَدٌ " : جمع.
وجعل بعضهم : واحد، كـ " حطم "، وهو في الوجهين للكثرة، والمعنى : أنفقت مالاً كثيراً مجتمعاً ؛ لأن أهل الجاهلية يدعونه مكارم ومفاخر.
قوله :﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ﴾، أي : أيظن أن لم يعانيه أحد، بل علم الله ذلك منه، فكان كاذباً، في قوله : أهلكت، ولم يكن أنفقه.
وقال : أيظن أن لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه وأين أنفقه.
وقال ابنُ عبَّاسٍ : كان أبو الأشدين يقول : أنفقت في عداوة محمد مالاً كثيراً، وهو في ذلك كاذب.
٣٤٤