سورة الشمس
مكية، وهي خمس عشرة آية، وأربع وخمسون كلمة، ومائتان وسبعون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٥٣
قوله تعالى :﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾، وقد تقدَّم أنَّ جماعة من أهل الأصول ؛ قالوا : التقدير : ورب الشمس، ورب سائر ما ذكر إلى تمام القسم.
واحتج قوم على بطلان هذا القول، بأن في جملة هذا القسم :﴿وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا﴾، وذلك هو الله تعالى، لا يجوز أن يكون المراد منه تعالى أن يقدم قسمه بغيره على قسمه بنفسه، فإذن لا بد من تأويل، وهو أن " ما " مع ما بعده في حكم المصدر، فيكون التقدير : والسَّماءِ وبنائها.
واعترض الزمخشريُّ عليه، فقال : لو كان الأمر على هذا الوجه، لزم من عطف قوله :" فألهمها " عليه فساد النظم.
قوله :﴿وَضُحَاهَا﴾.
قال المبرِّدُ : إن الضُّحى، والضَّحوة، مشتقان من الضحّ، وهو النور فأبدلت الألف، والواو من الحاء، تقول : ضَحْوة، وضَحَوات، وضُحى فالواو من " ضَحْوة " مقلوبة عن الحاء الثانية، والألف في " ضُحَى " مقلوبة عن الواو.
وقال أبو الهيثم : الضحُّ نقيض الظل، وهو نور الشمس على ظهر وجه الأرض وأصله : الضحى، فاستثقلوا الياء مع سكون الواو فقلبوها ألفاً.
والضُّحَى : مؤنثة، يقال : الاتفعت الضُّحى فوق الصخور، وقد تذكر، فمن أنَّث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكَّر ذهب إلى أنَّه اسم على " فُعَل " نحو " صُرَد،
٣٥٤
ونُغَر " وهو ظرف غير متمكن مثل : سحر، تقول : لقيته ضحّى، إذا أردت به ضحى يومك لم تنونه.
وقال الفراء : الضُّحَى، هو النهار، كقول قتادة، والمعروف عند العرب أنَّ الضحى إذا طلعت الشمس، وبُعَيْدَ ذلك قليلاً، فإذا زاد فهو الضّحاء بالمد.
ومن قال : الضحى، النهار كله، فذلك لدوام نور الشمس، ومن قال : إنه نور الشَّمس أو حرها، فنور الشمس لا يكون إلاَّ مع حرِّ الشمس، وقد استدل من قال : إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى :﴿وَلاَ تَضْحَى ﴾ [طه : ١١٩] أي : لا يؤذيك الحر.
فصل في تفسير الآية قال مجاهد :" وضُحَاهَا " أي : ضوؤها وإشراقها، وأضاف الضحى إلى الشمس ؛ لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس.
وقال قُتادةُ : بهاؤها.
وقال السدي : حرها.
وقال اليزيدي : انبساطها.
وقيل : ما ظهر بها من كل مخلوق، فيكون القسم بها، وبمخلوقات الأرض كلها.
حكاه الماوردي.
قال ابن الخطيب : إنَّما أقسم بالشمس، وضحاها، لكثرة ما يتعلق به من المصالح، فإنَّ أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر الصبحُ في المشرق، صار ذلك الضوء، كالروح الذي تنفخ فيه الحياة، فصارت الأموات أحياء، ولا تزال تلك الحياة في القوة، والزيادة إلى غاية كمالها وقت الضحى، وذلك شبيه استقرار أهل الجنة.
قوله :﴿وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا﴾، أي : تبعها، وذلك إذا سقطت رؤيا الهلال.
[قال الليث : تلوت فلاناً إذا تبعته.
وقال ابن زيد : إذا غربت الشمس في النصف الأول من الشهر، تلاها القمر بالطلوع، وفي آخر الشهر، يتلوها بالغروب].
٣٥٥
قال الفراء :" تَلاَهَا " : أخذ منها، يذهب إلى أن القمر يأخذ من ضوء الشمس.
وقال الزجاجُ :" إذا تَلاهَا " أي : حين استوى، واستدار، فكان مثلها في الضياء والنور.
وقال قتادةُ والكلبيُّ : معناه : أن الشمس، إذا قربت، فالقمر يتبعها ليلة الهلال في الغروب.
وقيل : يتلوها في كبر الجرم، بحسب الحسّ في ارتباط مصالح هذا العالم بحركته.
قوله :﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا﴾، الفاعل : ضمير النهار.
وقيل : عائد على الله تعالى، والضمير المنصوب، إمَّا للشمس، وإما للظُّلمة، وإما للأرض.
ومعنى " جلاها " أي : كشفها، فمن قال : هي " الشمس "، فالمعنى : أنه يبين بضوئه جرمها، ومن قال : هي " الظلمة "، فهي ون لم يجر لها ذكر، كقولك : أضحتْ باردةً، تريد : أضحت غداتنا باردة، وهو قول الفراء والكلبي وغيرهما.
ومن قال : هي الدنيا والأرض، وإن لم يجر لهما ذكر، كقوله :﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص : ٣٢].
قوله :" إذَا تَلاهَا "، وما بعده فيه إشكال ؛ لأنه إن جعل شرطاً اقتضى جواباً، ولا جواب لفظاً، وتقديره غير صالح، وإن جُعِلَ محضاً استدعى عاملاً وليس هنا عامل إلا فعل القسم حال ؛ لأنه إنشاء، و " إذا " ظرف مستقبل، والحال لا يعمل في المستقبل.
ويخص " إذا " وما بعدها إشكال آخر ذكره الزمخشري، قال : فإن قلت : الأمر نصب " إذَا " معضل، لأنك لا تخلو إمَّا أن تجعل الواو عاطفة، فتنصب بها وتجر، فتقع في العطف على عاملين في نحو قولك :" مررت أمس بزيد واليوم عمرو "، وإمَّا أن تجعلهن للقسم، فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه.
قلت : الجواب فيه : أن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل إطراحاً كلياً، فكان لها شأن خلاف شأن الباء، حيث أبرز معها الفعل وأضمر، فكانت الواو قائمة مقام الفعل، والباء سادة مسدهما معاً، والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو، فحقهن أن يكنّ عوامل على الفعل، والجار جميعاً، كما تقول :" َرب زيد بكراً وعمرو خالداً "، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام " ضرب " الذي هو عاملهما انتهى.
وقال أبُو حيَّان : أما قوله في واوات العطف :" فتنصب وتجر "، فليس هذا
٣٥٦
بالمختار على أن يكون حرف العطف عاملاً لقيامه العامل، بل لمختار أن العمل إنما هو للعامل في المعطوف عليه، ثم إن الإنشاء حجة في ذلك.
وقوله :" فتقع في العطف عاملين "، ليس ما في الآية من العطف عاملين، وإنما هو من باب عطف اسمين مجرور ومنصوب، على اسمين مجرور ومنصوب، فصرف العطف لم ينب مناب عاملين، وذلك نحو قولك : مررت بزيد قائماً وعمرو جالساً ؛ وأنشد سيبويه في كتابه :[الطويل] ٥٢١٩ - فَلَيْسَ بِمعروفٍ لَنا أنْ نَرُدَّهَا
صِحَاحاً ولا مُسْتنكَرٌ أن تُعَقَّرَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٥٤


الصفحة التالية
Icon