....
لَسْتُ فِيهَا بأوْحَدِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٧٤
بأوحد "، أي : بواحد، ووحيد، ويوضع " أفعل " موضع " فعيل " نحو قولهم :" الله أكْبَرُ " بمعنى كبير وهو أهون عليه بمعنى هين، قلت المرجئة، الآية تدل على أن الوعيد مختص بالكافر.
والجواب : المعارضة بآيات الوعيد.
وأيضاً : فهذا إغراء بالمعاصي، وأيضاً، فقوله تعالى بعده :﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ يدل على ترك هذه الظاهرة ؛ لأن الفاسق ليس " بأتقى " فالمراد بقوله تعالى :﴿نَاراً تَلَظَّى ﴾ أنها مخصوصة من بين النيران ؛ لأن النار دركات، ولا يلزم من هذا أنَّ الفاسق لا يدخل النَّار أصلاً، والمراد لا يصلاها بعد الاستحقاق.
٣٧٦
وأجاب الواحديُّ : بأن معنى " لا يَصْلاَهَا " : لا يلزمها، وهذه الملازمة لا تثبت إلا للكافر.
قوله :﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾، أي : يبعد عنها الأتقى، أي : التقي الخائف.
قال ابن عباس : وهو أبو بكر - رضي الله عنه -، ثم وصف الأتقى، فقال سبحانه :﴿الَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ أي : يطلب أن يكون عند الله زاكياً، ولا يطلب بذلك رياء، ولا سمعةً بل يتصدق به مبتغياً به وجه الله.
قوله :" يَتَوكَّى ".
قرأ العامة :" يتزكّى " مضارع " تَزَكَّى ".
والحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - :" يزكَّى " بإدغام الياء في الزاي، وفي هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها في موضع الحال من فاعل " يُؤتى "، أي : يؤتيه متزكياً به.
والثاني : أنها لا موضع لها من الإعراب على أنها بدل من صلة " الَّذي "، ذكرهما الزمخشري.
قوله تعالى :﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى ﴾، أي : ليس يتصدق ليجازي على نعمة بل يبتغي وجه ربه الأعلى، أي : المتعالي، و " تجزى " صفة لـ " نِعْمَة "، أي : يجزى الإنسان، وإنَّما جيء به مضارعاً مبنياً للمفعول، لأجل الفواصل ؛ إذ الأصل : يجزيها إياه أو يجزيه إياها.
قوله :﴿إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ﴾.
في نصب " إلاَّ ابتِغَاءَ " وجهان : أحدهما : أنه مفعول له قال الزمخشري :" ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى ؛ لأن المعنى : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، لا لمكافأة نعمة ".
وهذا أخذه من قول الفراء، فإنه قال : ونصب على تأويل : ما أعطيتك ابتغاء جزائك، بل ابتغاء وجه الله تعالى.
والثاني : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع، إذ لم يندرج تحت جنس " مِنْ نِعْمَةٍ " وهذه قراءة العامة، أعني : النصب، والمد.
وقرأ يحيى : برفعه ممدوداً على البدل من محل " نِعْمَةٍ " ؛ لأن محلها الرفع، إما على الفاعلية، وإما على الابتداء، و " من " مزيدة في الوجهين، والبدل لغة تميم ؛ لأنهم يجرون المنقطع في غير الإيجاب مجرى المتصل، وأنشد الزمخشري بالوجهين : النصب ؛ والبدل قول بشر بن أبي خازم :[البسيط]
٣٧٧
٥٢٣٠ - أضْحَتْ خَلاَءً قِفَاراً لا أنِيَ بِهَا
إلاَّ الجَآذِرَ والظُّلْمَانَ تَخَتَلِفُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٧٤
وقول القائل في الرفع :[الرجز] ٥٢٣١ - وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ
إلاَّ اليَعافِيرُ وإلاَّ العيسُ
وفي التنزيل :﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء : ٦٦].
وقال مكي :" وأجاز الفَرَّاءُ الرفع في " ابتغاء " على البدل في موضع " نعمة "، وهو بعيد ".
قال شهاب الدين :" كأنه لم يطلع عليها قراءة، واستبعاده هو البعيد، فإنها لغة فاشية ".
وقرأ ابن أبي عبلة :" ابتغا " بالقصر.
فصل في سبب نزول الآية " روى عطاء، والضحاك عن ابن عباس، قال : عذَّب المشركون بلالاً، وبلال يقول : أحدٌ أحدُ فمرَّ النبي ﷺ فقال :" أحَدٌ، يعني اللهُ يُنْجِيْكَ بِهَا "، ثم قال رسول الله ﷺ لأبي بكرٍ - رضي الله عنه - :" يا أبا بكرٍ إنَّ بلالاً يُعذَّبُ في اللهِ "، فعرفَ أبو بكرٍ الذي يُرِيدُهُ رسُول اللهِ ﷺ فانصرفَ إلى مَنْزلهِ، فأخذَ رَطْلاً مِنْ ذهبٍ ومضى به إلى أمية بن خلفٍ، فقال له : أتبيعني بلالاً ؟ قال : نعم، فاشتراه، فأعتقه أبو بكر - رضي الله عنه - لا ليدٍ كانت له عنده "، فنزلت ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ﴾، أي : عند أبي بكر " مِنْ نَعْمَةٍ " أي : مزية ومنّةٍ " تُجْزَى " بل ابتغى بما فعل وجه ربِّه الأعلى.
قال بعضهم : المراد ابتغاء ثوابه وكرامته لأن ابتغاء ذاته محال، وقال بعضهم : لا حاجة إلى هذا الإضمار، بل حقيقة هذه المسألة ترجع إلى أن العبد هل يمكن أن يحب ذات الله، والمراد من هذه المحبة ذاته، وكرامته.
ذكره ابن الخطيب.
٣٧٨
والأعلى من نعت الربِّ الذي استحق صفات العلو، ويجوز أن يكون ابتغاء وجه لا لمكافأة نعمة].
قوله :﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾.
هذا جواب قسم مضمر، والعامة : على " يَرضَى " مبنياً للفاعل وقرئ : ببنائه للمفعول، من أرضاه الله تعالى.
[وهو قريب من قوله تعالى في آخر سورة طه ﴿لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه : ١٣٠].
ومعنى الآية : سوف يعطيه الله تعالى في الجنَّة ما يرضى، بأن يعطيه أضعاف ما أنفق.
قال ابن الخطيب : وعندي فيه وجه آخر، وهو أن المراد أنه إنما طلب رضوان الله تعالى، وليس يرضى الله عنه، قال : وهذا أعظم من الأول ؛ لأن رضا الله أكمل للعبد من رضاه عن ربِّه، والله أعلم.
" روى الثعلبيُّ عن أبي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأَ سُورَةَ ﴿وَالْلَّيْلِ﴾ أعْطَاهُ اللهُ حتَّى يَرْضَى، وعافاهُ اللهُ تعالى من العُسْرِ، ويسَّر لهُ اليُسْرَ ".
قال الثعلبي : وإذا ثبت نزولها بـ " مكة " ضعف تأويلها بقصة أبي الدحداح، وقوي تأويلها بنزولها في حق أبي بكر - رضي الله عنه - لأنه كان بـ " مكة "، وإنفاقه بـ " مكة " وقصة أبي الدحداح كانت بالمدينة.
" وروي عن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" رحم اللهُ أبا بَكْرٍ، زوَّجنِي ابنَتُه، وحَملنِي إلى دَارِ الهِجْرَةِ، وأعْتَقَ بلالاً مِنْ مَالِهِ " والله أعلم.
٣٧٩
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٧٤