وَالنُّورَ} [الأنعام : ١]، وللنهار فضيلة النور، فقدم سبحانه هذا تارة وقدم هذا تارة، كالركوع والسجود في قوله تعالى :﴿ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ﴾ [الحج : ٧٧] وقوله تعالى :﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران : ٤٣].
وقيل : قدم الليل في سورة أبي بكر - رضي الله عنه - لأن أبا بكر سبقه كفر، وقدم الضحى في سورة محمد ﷺ لأنه نور محض، ولم يتقدمه ذنب.
وقيل : لما كانت سورة " الليل " سورة أبي بكر - رضي الله عنه - وسورة " الضحى " سورة محمدٍ ﷺ لم يجعل بينهما واسطة، ليعلم أنه لا واسطة بين محمد ﷺ وبين أبي بكر رضي الله عنه.
فصل في ذكر الضحى والليل قال ابن الخطيب : وذكر الضحى، وهو ساعة، وذكر الليل بجملته، إشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جمع الليل، كما أنَّ محمداً ﷺ يوازن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وأيضاً : فالضحى وقت السرورٍ، والليل وقتُ الوحشةِ، ففيه إشارة إلى أن سرور الدنيا، أقل من شرورها، وأن هموم الدنيا أدوم من سرورها، فإن الضحى ساعة، والليل ساعات، يروى أن الله - سبحانه وتعالى - لما خلق العرش أظلت غمامة سوداء، ونادت : ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري الهموم والأحزان مائة عامٍ، ثم انكشفت، فأمرت مرة أخرى بذلك، وهكذا إلى ثلاثمائة سنة، ثم بعد ذلك أظَّلت عن يمين العرش غمامة بيضاء، ونادت ماذا أمطر ؟ فأجيبت أن أمطري السرور ساعة فلهذا ترى الهموم، والأحزان دائمة، والسرور قليلاً ونادراً، وقدم ذكر الضحى لأنه يشبه الحياة، وأخر الليل ؛ لأنه يشبه الموت.
قوله :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ﴾، هذا جواب القسم، والعامة : على تشديد الدال من التوديع.
وقرأ عروة بن الزبير وابنه هاشم، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة بتخفيفها، من قولهم :" ودَعَهُ "، أي : تركه والمشهور في اللغة الاستغناء عن " ودع، ووذرَ " واسم فاعلهما، واسم مفعولهما ومصدرهما بـ " ترك " وما تصرف منه، وقد جاء " ودع ووذَرَ " ؛ قال الشاعر :[الرمل] ٥٢٣٤ - سَلْ أمِيرِي : ما الَّذي غَيّرهُ
عَنْ وصالِي حَتَّى وَدَعَهُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٨٠
٣٨٢
وقال آخر :[الطويل] ٥٢٣٥ - وثَمَّ ودعْنَا عمرٍو وعامِرٍ
فَرائِسَ أطْرَافِ المُثقَّفَةِ السُّمْرِ
قيل : والتوديع مبالغة في الودع ؛ لأن من ودعك مفارقاً، فقد بالغ في تركك.
قال القرطبيُّ : واستعماله قليل يقال : هو يدع كذا، أي : يتركه.
قال المبرد : لا يكادون يقولون : ودع، ولا ذر، لضعف الواو إذا قدمت، واستغنوا عنهما بـ " ترك ".
قوله :﴿وَمَا قَلَى ﴾، أي : ما أبغضك، يقال : قلاه يقليه - بكسر العين في المضارع - وتقول : قلاه يقلاه، بالفتح ؛ قال :[الهزج] ٥٢٣٦ - أيَا مَنْ لَستُ أنسَاهُ
وَلاَ واللهِ أقْلاهُ
لَكَ اللهُ عَلَى ذَاكَا
لَكَ اللهُ لَكَ اللهُ
وحذف مفعول " قَلاَ " مراعاة للفواصل مع العلم به، وكذا بعد " فآوَى " وما بعده.
فصل في " القَلِي " القلي : البغض، أي : ما أبغضك ربك منذ أحبك، فإن فتحت القاف مددت، تقول : قلاه يقليه قى وقلاء، كما تقول : قريت الضيف أقرية قرى وقراء، ويقلاه : لغة طيء.
وأنشد :
٥٢٣٧ - أيَّامَ أمِّ الغَمْرِ لا نَقْلاَهَا
أي : لا نبغضها، ونقلي : أي : نبغض ؛ وقال :[الطويل] ٥٢٣٨ - أسِيئِي بِنَا أو أحْسِنِي لا ملُومَةٌ
لَديْنَا ولا مَقلِيَّةٌ إنْ تقلَّتِ
وقال امرؤ القيس :[الطويل]
٣٨٣
٥٢٣٩ - …………........................
ولَسْتُ بِمقْلِيَّ الخِلالِ ولا قَالِ


الصفحة التالية
Icon