وقيل : ضالاً في شعاب " مكة "، فهداك وردك إلى جدك عبد المطلب.
وقال كعب - رضي الله عنه - : إن حليمة لما قضت حق الرضاع، جاءت رسول الله ﷺ لتردهُ على عبد المطلب، فسمعت عند باب " مكة " : هنيئاً لك يا بطحاء " مكة "، اليوم يرد إليك الدين والبهاء والنور والجمالُ، قالت : فوضعته لأصلح ثيابي، فسمعت هدة شديدة فالتفت فلم أره، فقلت : معشر الناس، أين الصبي ؟ فقالوا : لم نر شيئاً فصحتُ : وامحمداه، فإذا شيخ فإن يتوكأ على عصاه، فقال : اذهبي إلى الصنم الأعظم، فإن شاء أن يرده إليك فعل، ثم طاف الشيخ بالصَّنم، وقبل رأسه وقال : يا رب، لم تزل منتك على قريش، وهذه السعدية تزعم أن ابنها قد ضلّ، فرده إن شئت، فانكبّ هبل على وجهه، وتساقطت الأصنام ؛ وقالت : إليك عنا رباً لا يضيعه فاطلبيه على مهل، فانحشرت قريش إلى عبد المطلب، وطلبوه في جميع " مكة "، فلم يجدوه فطاف عبد المطلب بالكعبة سبعاً، وتضرع إلى الله أن يرده ؛ وقال :[الرجز] ٥٢٤٢ - يا ربِّ، رُدَّ ولَدِي مُحَمَّداً
أرْدُدْهُ ربِّي واصْطَنِعْ عِنْدِي يَدَا
فسمعوا منادياً ينادي من السماء : معاشر الناس لا تضجوا، فإن لمحمد ربَّا لا يضيعه ولا يخذله، وإن محمداً بوادي " تهامة "، عند شجرة السَّمُرِ، فسار عبد المطلب هو وورقة بن نوفل، فإذا النبي ﷺ قائم تحت شجرة يلعب بالإغصان وبالورق.
وفي رواية : فما زال عبد المطلب يردد البيت حتى أتاه أبو جهل على ناقة، ومحمد ﷺ بين يديه، وهو يقول : ألا تدري ماذا جرى من ابنك ؟ فقال عبد المطلب : ولم ؟ قال : إني أنخت الناقة، وأركبته خلفي فأبت الناقة أن تقوم، فلما أركبته أمامي قامت النَّاقة.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : رده إلى جده وبيد عدوه، كما فعل بموسى - عليه الصلاة والسلام - حين حفظه عند فرعون.
وقال سعيد بن جبيرٍ : خرج النبي ﷺ مع عمه أبي طالب في سفر، فأخذ إبليس بزمام ناقته في ليلة ظلماء فعدل بها على الطريق، فجاء جبريل - عليه السلام - فنفخ لإبليس نفخة وقع منها إلى أرض " الهند "، ورده إلى القافلة صلى الله عليه وسلم.
٣٩٠
وقيل : ووجدك ضالاً ليلة المعراج حين انصرف عنك جبريل، وأنت لا تعرف الطريق، فهداك إلى ساق العرش.
وقال بعض المتكلمين : إذا وجدت العرب شجرة منفردة في فلاة من الأرض، لا شجر معها، سموها ضالة، فيهتدي بها إلى الطريق، فقال تعالى لنبيه ﷺ :" ووجَدَكَ ضالاًّ " أي لا أحد على دينك، بل وأنت وحيد ليس معك أحد، فهديت بك الخلق إلي.
وقيل : ووجدك مغموراً في أهل الشرك، فميزك عنهم، يقال : ضل الماءُ في اللبن، ومنه ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ﴾ [السجدة : ١٠]، أي : لحقنا بالتراب عند الدَّفن، حتى كأنا لا نتميز من جملته وقيل : ضالاًّ عن معرفة الله حين كنت طفلاً صغيراً، كقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ [النحل : ٧٨] فخلق فيك العقل والهداية والمعرفة، فالمراد من الضال الخالي من العلم لا الموصوف بالاعتقاد، قيل : قد يخاطب النبي ﷺ، والمراد قومه فقوله تعالى :﴿وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى ﴾ أي وجد قومك ضلالاً فهداهم بك.
وقيل : إنه كان على ما كان القوم عليه لا يظهر لهم في الظاهر الحال، وأما الشرك فلا يظن به على مواسم القوم في الظاهر أربعين سنة.
وقال الكلبي والسدي أي وجدك كافراً والقوم كفاراً فهداك، وقد مضى الرد على هذا القول في سورة الشورى.
قوله :﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى ﴾، العائل : الفقير، وهذه قراءة العامة يقال : عال ويد، أي : افتقر.
قال الشاعر :[الوافر] ٥٢٤٣ - ومَا يَدْري الفَقِيرُ متَى غِنَاهُ
ومَا يَدْرِي الغَنِيُّ متَى يَعِيلُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٨٧
وقال جرير :[الكامل] ٥٢٤٤ - اللهُ أنْزَلَ في الكِتَابِ فَريضَةً
لابْنِ السَّبِيلِ وللفَقِيرِ العَائِلِ
وقرأ اليماني :" عيِّلاً " بكسر الياء المشددة كـ " سيد ".
وقال ابن الخطيب : العائل ذو العيلة، ثم أطلق على الفقير لم يكن له عيال،
٣٩١