والوِزْرُ : الحمل الثقيل.
قال المحاسبيُّ : يعني : ثقل الوزر لو لم يعفُ الله عنه.
قال : وإنما وُصفتْ ذنوبُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بهذا الثقل مع كونها مغفورة لشدة اهتمامهم بها، وندمهم منها، وتحسرهم عليها [وقال الحسين بن الفضل : يعني الخطأ والسهو.
وقيل : ذنوب أمتك اضافها إليه لاشتغال قلبه بها].
وقال عبد العزيز بن يحيى وأبو عبيدة : خففنا عنك أعباء النبوة، والقيام بها، حتى لا تثقل عليك.
وقيل : كان في الابتداء يثقل عليه الوحي، حتى كاد يرمي نفسه من شاهق الجبل، إلى أن جاء جبريل - عليه السلام - وأزال صلىالله عليه وسلم عنه ما كان يخاف من تغير العقل.
وقيل : عصمناك عن احتمال الوِزْر، وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس، حتى نزل عليه الزحي، وأنت مطهَّر من الأدناس.
قوله :﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾، قال مجاهد : يعني بالتأذين.
وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهم - يقول عز وجل له : لا ذكرت إلا ذكرت معي في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق ويونم عرفة، وعند الجمار وعلى الصفا والمروة وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها.
ولو أن رجلاً عبد الله تعالى، وصدق بالجنة والنار وكل شيءٍ ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع شيء وكان كافراً.
وقيل : أعلينا ذكرك، فذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك، وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه.
وقيل : رفعنا عند الملائكة في السماء وفي الأرض عند المؤمنين، ونرفع في الآخرة ذكرك بما نعطيك من المقام المحمود، وكرائم الدرجات.
وقيل : عام في كل ذكر.
قوله :﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ العامة، على سكون السين في الكلم الأربع.
٤٠٠
وابن وثَّاب وأبو جعفر وعيسى : بضمها، وفيه خلاف، هل هو أصل، أو منقول من المسكن ؟ والألف واللام في العسر الأول لتعريف الجنس، وفي الثاني للعهد، وكذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - لن يغلب عسرٌ يسيرن وروي أيضاً مرفوعاً أنه ﷺ خرج يضحك يقول : لن يغلب عسر يسرين والسبب فيه أن العرب إذا أتت باسم، ثم أعادته مع الألف واللام، كان هو الأول، نحو : جاء رجل فأكرمتُ الرجل، وقوله تعالى :﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ [المزمل : ١٥، ١٦]، ولو أعادته بغير ألف ولام غير الأول، فقوله تعالى :﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ لما أعاد العسر الثاني أعاده بـ " أل "، ولما كان اليُسْر الثاني غير الأول لم يعد بأل.
وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما معنى قول ابن عبَّاس ؟ وذكر ما تقدم.
قلت : هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوة الرجاء، وأن موعد الله تعالى لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ، وأبلغه، والقول فيه أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية تكريراً للأولى كما كرر قوله :﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ﴾ لتقرير معناها في النفوس، وتمكنها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قوله :" جاء زيد زيد "، وأن تكون الأولى عدة بأن العسر مردوف بيُسْرٍ [لا محالة والثانية : عدة مستأنفة بأن العسر واحداً لا يخلو، إما أن يكون تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو، لأن حكمه حكم زيج في قولك :" إن مع زيد مالاً، إن مع زيد مالاً "، وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد، فهو هو أيضاً، وأما اليسر، فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر، فقد تناول بعضاً غير البعض الأول بغير إشكال.
قال أبو البقاء : العسر في الموضعين واحد ؛ لأن الألف واللام توجب تكرير الأول، وأما يُسْراً في الموضعين، فاثنان، لأن النكرة إذا أريد تكريرها جيء
٤٠١


الصفحة التالية
Icon