سورة العلق
مكية، وهي أول مانزل من القرآن في قول أبي موسى وعائشة رضي الله عنها.
وقيل : أول ما نزل الفاتحة، ثم سورة العلق، وهي عشرون آية، واثنتان وسبعون كلمة، ومائتان وسبعون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤١١
قوله تعالى :﴿اقْرَأْ﴾، العامة، على سكون الهمزة، أمر من القراءة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى : براء مفتوحة، وكأنه قلب تلك الهمزة ألفاً، كقولهم : قرأ، يقرأ، نحو : سعى، يسعى، فلما أمر منه، قيل :" اقر " بحذف الألف قياساً على حذفها من " اسع ".
وهذا على حد قول زهير :[الطويل] ٥٢٥٣ -.............................
وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وقد تقدم تحرير هذا.
قوله :﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، يجوز فيه أوجه : أحدها : ان تكون الباء للحال، أي : اقرأ مفتتحاً ربِّك قل : بسم الله الرحمن الرحيم ثم اقرأ، قاله الزمخشريُّ.
٤١٢
" الثاني : أن الباء مزيدة، والتقدير : اقرأ باسم ربك، كقوله :[البسيط] " ٥٢٥٤ -............................
سُودُ المَحاجرِ لا يَقْرأنَ بالسُّورِ
قيل : الاسم فضلة أي اذكر ربك، قالهما أبو عبيدة.
الثالث : أن الباء للاستعانة، والمفعول محذوف، تقديره : اقرأ ما يوحي إليك مستعيناً باسم ربِّك.
الرابع : أنها بمعنى " عَلَى "، أي : اقرأ على اسم ربِّك، كما في تعالى :﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ﴾ [هود : ٤١]، قاله الأخفش.
[وتقدم في أول الكتاب كيف هذا الفعل على الجار والمجرور، وقدر متأخراً في " بسم الله الرحمن الرحيم " وتخريج الناس له، فأغنى عن الإعادة].
فصل قال أكثرُ المفسرين : هذه السورة أول ما نزل من القرآنِ، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي ﷺ على " حِرَاء "، فعلمه خمس آياتٍ من هذه السورة.
وقال جابر بن عبد الله : أول ما نزل :﴿ يا أيها الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر : ١].
وقال أبو ميسرة الهمذاني : أول ما نزل فاتحة الكتاب.
وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أول ما نزل من القرآن :﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام : ١٥١].
قال القرطبيُّ :" الصحيح الأول ".
قالت عائشة - رضي الله عنها - : أول ما بدئ به ﷺ الرؤيا الصادقة، فجاءه الملك، فقال :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾، خرجه البخاري.
وروت عائشةُ - رضي الله عنها - أنها أول سورة نزلت على رسول الله ﷺ ثم بعدها " ن، والقلم " ثم بعدها ﴿ يا أيها الْمُدَّثِّرُ﴾ [المدثر : ١]، ثم بعدها " والضُّحَى "، ذكره الماوردي.
ومعنى قوله :" اقْرَأ " أي : ما أنزل عليم من القرآن مفتتحاً باسم ربك وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كلِّ سورةٍ، أو اقرأ على اسم ربِّك، على ما تقدم من الإعراب.
٤١٣
قوله :﴿الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ﴾، يجوز أن يكون " خَلَقَ " الثاني تفسيراً لـ " خَلَقَ " الأول، يعني أبهمه أولاً، ثم فسره ثانياً بـ " خَلَقَ الإنْسَانَ " تفخيماً لخلق الإنسانِ، ويجوز أن يكون حذف المفعول من الأول، تقديره : خلق كلَّ شيء ؛ لأنه مطلق، فيتناول كُلَّ مخلوقٍ، وقوله :﴿خَلَقَ الإِنسَانَ﴾ تخصيص له بالذكر من بين ما يتناوله الخلق، لأنه المنزَّل إليه، ويجوز أن يكون تأكيداً لفظياً، فيكون قد أكد الصفة وحدها، كقولك : الذي قام قام زيد.
والمرادُ بالإنسانِ : الجنس، ولذلك قال تعالى :﴿مِنْ عَلَقٍ﴾ جمع علقةٍ، لأن كل واحدٍ مخلوق من علقة، كما في الآية الأخرى، والعلقة : الدَّمُ الجامدُ، وإذا جرى فهو المسفح، وذكر " العَلَق " بلفظ الجمعِ، لأنه أراد بالإنسانِ الجمع، وكلهم خلقُوا مِنْ علقٍ بعد النُّطْفَةِ.
والعلقة : قطعة من دم رطبٍ، سميت بذلك ؛ لأنها تتعلق بما تمر عليه لرطوبتها، فإذا جفت لم تكن علقة.

فصل قال ابن الخطيب : فإن قيل : فما وجه التسمية في المباح كالأكل ؟.


فالجوابُ : أنه يضيف ذاك إلى الله تعالى ليدفع ببركة اسمه الأذى، والضرر، أو ليدفع شركة الشيطان، ولأنه ربما استعان بذلك المباح على الطاعة، فيصير طاعة، وقال هنا : باسم ربِّك، وفي التسمية المعروفة : بسم الله الرحمن الرحيم، لأن الربَّ من صفات الفعل، وهي تستوجب العبادة بخلاف صفة الذات فأفاد الربُّ هنا معنيين : أحدهما : أني ربيتك فلزمك الفعل، فلا تتكاسل.
والثاني : أن الشروع ملزم للإتمام، وقد ربيتك منذ كنت علقة إلى الان، فلم أضيعك، وقاله هنا :" ربك "، وقال في موضع آخر :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء : ١] كأنه يقول سبحانه : هو لي وأنا له، كقوله ﷺ :" عليٌّ منِّي وأنَّا مِنْهُ "، لأن النعم واصلة منّي إليك، ولم يصل إليَّ منك خدمة فأقول : أنا لك، ثم لما أتى بالعبادات وفعل الطاعات، قال :﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء : ١].
فقوله :﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ كالدليل على الربوبية، كأنه تعالى يقول : الدليل على أني ربُّك، أنك ما كنت معه بذاتك وصفاتك، فخلقتك وربيتك، ويحتمل أن يكون المعنى أنه حصل منه الخلق.
قوله :﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾، فقوله تعالى :﴿اقْرَأْ﴾ تأكيد، وتم الكلام، ثم استأنف فقال :﴿وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ﴾، أي : الكريم.
٤١٤


الصفحة التالية
Icon