وقالت أعرابية : هو سيد ناديه وثمال عافي] وقال تعالى :﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ [العنكبوت : ٢٩].
وقال أبو عبيدة :" ونَادِيَه " أهل مجلسه، ولا يسمى المكان نادياً حتى يكون فيه أهله، والمعنى : فلدع عشيرته، فليستنصر بهم.
قوله :﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾.
قال لزمخشري :" والزبانية في كلام العرب : الشرط، الواحد : زبينة، كعفرية من الزَّبن، وهو الدَّفع.
وقيل : زينى، وكأن نسب إلى الزبن، ثم غير للنسب، كقولهم : أمسيّ، وأصله : زباني، فقيل :" زبانية " على التعويض ".
وقال عيسى بن عمر والأخفش : واحدهم زابن.
وقيل : هو اسم جمع لا واحد له من لفظه، كعباديد، وشماطيط، وأبابيل، والحاصل : أن لامادة تدل على الدفع.
قال :[الطويل] ٥٢٦١ - مَطَاعِيمُ في القُصْوَى مَطَاعِينُ في الوَغَى
زَبَانِيَةٌ غُلبٌ عِظامٌ حُلومُهَا
٤٢٣
وقال آخر :[الطويل] ٥٢٦٢ - ومُسْتعْجِبٍ ممَّا يَرَى مِنْ أنَانِتَا
ولوْ زَنَتْهُ الحَرْبُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ
[قال عتبة : زبَنَنَتْنا الحرب، وزبنَّاها، ومنه الزبون لأنه يدفع من بائع إلى آخر.
وقال أبو الليث السمرقندي رحمه الله : ومنه المزابنة في البيع ؛ لأنهم يعلمون بأرجلهم، كما يعملون بأيديهم].
وقرأ العامة :" سَندْعُ " بنون العظمة، ولم ترسم بالواو، وتقدم نظيره، نحو ﴿يَدْعُو الدَّاعِ﴾ [القمر : ٦].
وقرأ ابن أبي عبلة :" سيُدْعَى الزبانية " مبنياً للمفعول ورفع " الزبانية " لقيامها مقام الفاعل.
فصل في المراد بالزبانية قال ابن عباس : الملائكة الغلاظ الشداد، وروي أن النبي ﷺ لما قرأ هذه السورة وبلغ إلى قوله تعالى :﴿لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ﴾ قال أبو جهل : أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربك، قال الله تعالى :﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ فلما ذكر الزبانية رجع فزعاً، فقيل له : أخشيت منه ؟ قال : لا، ولكن رأيت عنده فارساً، فهددني بالزبانية فما أدري ما الزبانية ؛ ومال إليَّ الفارس، فخشيت منه أن يأكلني.
قال ابن عباس - رضي الله عنه - : والله لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته.
خرجه الترمذي بمعناه.
قوله :﴿كَلاَّ﴾ أي : ليس الأمر كما يظنه أبو جهل " لا تُطِعْهُ " فيما دعاك إليه من ترك الصلاة " واسْجُدْ "، أي : صل الله " واقْتَرِبْ " أي : اقترب إلى الله بالطَّاعة والعبادة.
وقيل : المعنى : إذا سجدت اقترب من الله بالدعاء.
قال ﷺ :" أمَّا الرُّكوعُ فعَظَّمُوا فِيْهِ الربَّ تعالى، وأمَّا السُّجُود فاجْتَهدُوا في الدُّعَاءِ، فقمن أنْ يُسْتجابَ لَكُمْ ".
٤٢٤
وقال صلى الله عله وسلم :" أقْرَبُ ما يَكُونُ العبدُ مِنْ ربِّه وهُوَ سَاجِدٌ ".
فالسجود في قوله تعالى :﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾ يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة، ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة.
وقال ابن العربي : والظاهر أنه سجود الصلاة ؛ لقوله تعالى :﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى ﴾ إلى قوله :﴿كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾، لولا ما ثبت في الصحيح من رواية مسلم، وغيره من الإئمة عن أبي هريرة، أنه قال : سجدتُ مع رسول الله ﷺ في " إذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ " وفي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ سجدتين، فكان هذا نصَّا على أن المراد سجود التلاوةِ.
روى الثعلبي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ :﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، فكأنَّمَا قَرَأ المفصل كُلَّه " والله تعالى أعلم.
٤٢٥
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤١٧