وقيل : الروح خلق عظيم يقوم صفاً واحداً، والملائكة صفاً].
وقيل :" الرُّوحُ " : الرحمة ينزل بها جبريل عليه السلام مع الملائكة في هذه الليلة على أهلها، بدليل قوله تعالى :﴿يُنَزِّلُ الْمَلا اائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [النحل : ٢]، أي : بالرحمة فيها، أي : في ليلة القدر.
قوله :﴿بِإِذْنِ رَبِّهِم﴾.
يجوز أن يتعلق بـ " تَنَزَّلُ "، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من المرفوع بـ " تَنَزَّل " أي : ملتبساً بإذن ربهم.
قوله :﴿مِّن كُلِّ أَمْرٍ﴾.
يجوز في " مِنْ " وجهان : أحدهما : أنها بمعنى اللام، وتتعلق بـ " تَنزَّلُ "، أي : تنزل من أجل كل أمر قضي إلى العام القابل.
الثاني : أنها بمعنى الباء، أي : تنزل بكل أمر، فهي للتعدية، قاله أبو حاتم.
وقرأ العامة :" أمْرٍ " واحد الأمور.
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، والكلبي :" مِنْ كُلِّ امْرئٍ "، أي : من أجل كل إنسانٍ.
قال لاقرطبيُّ : وتأولها الكلبي على أن جبريل - عليه السلام - ينزل فيها مع الملائكة، فيسلمون على كُلِّ امرئ مسلم، فـ " مِنْ " بمعنى " عَلَى ".
وقيل : من أجل كل ملك، وهو بعيد.
وقيل :" مِنْ كُلِّ أمْرٍ " ليس متعلقاً بـ " تَنَزَّلُ " إنما هو متعلق بما بعده، أي : هي سلام من كل أمر مخوف، وهذا لا يتم على ظاهره ؛ لأن " سلام " مصدر لا يتقدم عليه معموله، وإنما المراد أنه متعلق بمحذوف يدل على هذا المصدر.
فصل في معنى الآية قوله :﴿سَلاَمٌ هِيَ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أن " هِيَ " ضمير الملائكة، و " سلامٌ " بمعنى التسليم، أي : الملائكة ذات التَّسليم على المؤمنين من مغيب الشمس حتى مطلع الفجر وقيل : الملائكة يسلم بعضهم على بعض فيها.
الثاني : أنها ضمير ليلة القدر، و " سلامٌ " بمعنى سلامة، أي : ليلة القدر ذات سلامة من كلّ شيء مخوف.
٤٢٩
قال الضحاكُ : لا يقدر الله - تعالى - في تلك الليلة إلا السلامة.
وقيل : هي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن ومؤمنة، قاله مجاهد.
وعلى التقديرين : يجوز أن يرتفع " سلامٌ " على أنه خبر مقدم، و " هِيَ " مبتدأ مؤخر، وهذا هو المشهور، ويجوز أن يرتفع بالابتداء، و " هي " فاعلة عند الأخفش ؛ لأنه لا يشترط الاعتماد على الوصف.
وقد تقدم أن بعضهم يجعل الكلام تاماً على قوله :" بِإذْنِ ربِّهِمْ "، وتعلق " كُلِّ أمْرٍ " بما بعده، وتقدم تأويله.
وقال أبو الفضل :" وقيل : معناه هي سلام من كل أمرٍ أو امرئٍ ؛ أي سالمة، أو مسلمة منه، ولا يجوز أن يكون " سلامٌ " بهذه اللفظة الظَّاهرة التي هي المصدر عاملاً فيما قبله، لامتناع تقدم معمول المصدر على المصدر، كما أن الصفة كذلك لا يجوز تقديمها على الموصول " انتهى.
[وقد تقدم أن معنى ذلك عند هذا القائل أن يتعلق بمحذوف مدلول عليه بـ " سلام " فهو تفسير معنى لا تفسير إعراب].
وما يروي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن الكلام تمَّ عند قوله تعالى :" سلامٌ " ويبتدئ بـ " هِيَ " على أنها خبر مبتدأ، والإشارة بذلك إلى انها ليلة السابع والعشرين، لأن لفظه : هب سابعة وعشرون، من كلم هذه السورة، فلا ينبغي أن يعتقد صحته لأنه إلغاز وتغيير لنظم أفصح الكلام.
[قوله :﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ متعلق بـ " تنزل " أو بـ " ٍلام " وفيه إشكال للفصل بين المصدر والمعمول للمبتدأ، إلا أن يتوسع في الجار].
وقرأ الكسائي وابن محيصن :" نطلِع " بكسر اللام، والباقون : بالفتح، والفتح هو القياس، والكسر سماع، وله أخوات تحفظ فيها الكسر مما ضم مضارعه، أو فتح، نحو : المَشْرِق، والمَغْرِب، والمنْسِك، والمسْكِن، والمحْشِر، والمسْقِط.
قال القرطبي :" حكي في ذلك كله الفتح والكسر ".
وهل هما مصدران أو المفتوح مصدر، والمكسور مكان ؟ خلاف، وعلى كل تقدير، فالقياس في الفعل مطلقاً مما ضمت عين مضارعه أو فتحت فتح العين، وإنما يقع الفرق في المكسور العين الصحيح، نحو :" يضرب ".
٤٣٠


الصفحة التالية
Icon