ومنهم من قال : هو ابنه.
ومنهم من قال : هو ثالث وكذبوا فيما قالوا عن الله تعالى، وأن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، ولا ولد له، ولا مثل ولا ضد له، ولا ند له، ولا شبيه له، ولا صاحبة له، ولا زوجة له، ولا وزير له، ولا حاجب له، ولا بواب له، وهو سبحانه وتعالى كما قال في كتابه المنزل على نبيه ﷺ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ [الاخلاص ١ - ٤].
وقيل : المشركون وصف لأهل الكتاب أيضاً، لأنهم لم ينتفعوا بكتابهم، وتركوا التوحيد، فالنصارى مثلثة، وعامة اليهود مشبهة، والكل شرك، وهو كقولك : جاءني العقلاء والظرفاء، وأنت تريد أقواماً بعينهم تصفهم بالأمرين، قال تعالى :﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ [التوبة : ١١٢]، وهذا وصف للطائفة الواحدة، فالمعنى على هنا من أهل الكتاب المشركين.
٤٣٦
ٌوقيل : أهل الكتاب كانوا مؤمنين، ثم كفروا بعد أنبيئاهم، والمشركون ولدوا على الفطرة، ثم كفروا حين بلغوا.
وقيل : الكفر هنا هو الكفر بمحمد ﷺ، أي : لم يكن الذين كفروا بمحمد ﷺ من اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب، ولم يكن المشركون الذين هم عبدة الأوثان من العرب وغيرهم، وهم الذين ليس لهم كتاب منفكين.
قال القشيريُّ : وفيه بعد، لأن الظاهر من قوله تعالى :﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ أنّ هذا الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
فيبعد أن يقال لم يكن الذين كفروا الآن بمحمد ﷺ منفكين، حتى يأتيهم محمد رسول الله ﷺ إلا أن يقال : أراد لم يكن الذين كفروا الآن بمحمد ﷺ وقد كانوا من قبل معظمين له منتهين عن هذا الكفر إلى أن يبعث الله تعالى لهم محمداً ﷺ ويبين لهم الآيات، فحينئذٍ يؤمن قوم].
وقرأ الأعمش وإبراهيم :" والمُشْرِكُونَ " رفعاً عطفاً على " الَّذِينَ كَفرُوا ".
قال القرطبيُّ :" والقراءة الأولى أبين، لأن الرفع يصير فيه الصنفان، كأنهم من غير أهل الكتاب ".
وفي حرف أبيّ :" فما كان الذين من أهل الكتاب والمشركون منفكين ".
قال ابن الخطيب : فإن قيل : لم قال الذين كفروا، بلفظ الفعل، وذكر المشركين باسم الفاعل ؟ فالجوابُ : أن أهل الكتاب ما كانوا كافرين من أول الأمر ؛ لأنهم كانوا مصدقين بالتوراة والإنجيل، وبمبعث محمد ﷺ بخلاف المشركين، فإنهم ولدوا على عبادةِ الأوثان، وذلك يدل على الثبات على الكفر.
قوله :﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾.
قيل : البينة، محمد ﷺ لأنه في نفسه بينة وحُجَّة ولذلك سمَّاه الله - تعالى - سراجاً منيراً.
قوله تعالى :﴿رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ﴾، وهو رفع على البدل من " البَيِّنةُ "، ولأن اللام في " البَيِّنةُ " للتعريف أي : هو الذي سبق ذكره في التوراة والإنجيل على لسان موسى وعيسى، وقد يكون التعريف للتفخيم ؛ إذ هو البينة التي لا مزيد عليها والبينة كل البينة، وكذا التنكير، وقد جمعهما الله - تعالى - ها هنا - في حق الرسول، أي : هو رسول، وأي رسول الله ﷺ ونظيره : قوله تعالى حين أثنى على نفسه، فقال سبحانه وتعالى :﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ﴾ [البروج : ١٥] ثم قال تعالى :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج : ١٦] فنكر بعد التعريف.
وقال أبو مسلم : المراد من البينة مطلق الرسل، فقوله تعالى :﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أي : تأتيهم رسل من ملائكة الله تعالى، تتلو عليهم صحفاً مطهرة، نظيره :﴿بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ [المدثر : ٥٢].
وقال قتادة وابن زيد :" البَيِّنةُ " هي القرآن، كقوله تعالى :﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى ﴾ [طه : ١٣٣].
قوله :" رسُولٌ "، العامة : على رفعه بدلاً من " البينة "، إما بدل إشتمال، وإما بدل كل من كل على سبيل المبالغة، جعل الرسول ﷺ نفس البينة، أو على مضاف، أي : بينة رسول.
وقال الفرَّاء : رفع على خبر ابتداء مضمر، أي : هي رسول، أو هو رسول من الله لأن البينة قد تذكَّر، فيقال : بَيَّنتي فلان.
وقرأ عبد الله وأبيّ :" رسولا " على الحال من " البينة ".
وقال القرطبي :" بالنصب على القطع ".
٤٣٧