ومنه قيل للجن والإنس : الثقلان، وقيل :" أثْقالهَا " : كنوزها، ومنه الحديث :" تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمقال الإسطوان من الذهب والفضة ".
قوله :﴿وَقَالَ الإِنسَانُ﴾، أي ابن آدم، الكافر.
وقال ابن عباس : هو الأسود بن عبد الأسد.
وقيل : أراد كلَّ إنسان يشاهد ذلك عند قيام الساعة في النفخة الأولى من مؤمن وكافر، وقوله :﴿مَا لَهَا﴾ ابتداء وخبر، وهذا يرد قول من قال : إن الحال في نحو قوله تعالى :﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر : ٤٩] لازمة لئلا يصير الكلام غير مفيد، فإنه لا حال هنا، ومعنى :﴿مَا لَهَا﴾ أي : مت لها زلزلت، وقيل : ما لها أخرجت أثقالها! وهي كلمة تعجب، أي : لأي شيء زلزلت! ويجوز أن يُحيي الله الموتى بعد وقوع النفخة الأولى، ثم تتحرك الأرض، فتخرج الموتى، وقد رأوا الزلزلة، وانشقاق الأرض عن الموتى فيقولون من الهول : ما لها، [كأنهم يخاطبون أنفسهم تعجباً].
قوله :﴿يَوْمَئِذٍ﴾، أي : يوم إذا زلزلت، والعامل في " يَومَئذٍ " :" تُحدِّثُ " إن جعلت " إذَا " منصوبة بما بعدها، [أو بمحذوف، وإن جعلت العامل فيها " تحدث " كان " يومئذ " بدلاً منها فالعامل فيه] العامل فيها، أو شيء آخر، لأنه على تكرير العاملِ، وهو خلاف مشهور.

فصل في معنى الآية معنى " تحدث أخبارها "، أي : تخبر الأرض بما عمل عليها من خير، أو شر يومئذ.


ثم قيل : هو من قول الله تعالى.
وقيل : من قول الإنسان، أي : يقول الإنسان " مَا لَهَا "، " تُحدِّثُ أخْبارهَا " متعجباً.
" روى الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قرأ رسول الله ﷺ هذه الآية ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ قال :" أتدْرُونَ ما أخْبارُهَا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : فإنَّ أخبارها أن تشْهَدَ على كُلِّ عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرهَا تقُول : عملَ يَوْمَ كَذَا، كَذَا وكَذَا، قال :" فهَذهِ أخْبارُهَا ".
٤٤٦
قال الماورديُّ : قوله تعالى :﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أن تحدث أخبارها بأعمال العباد على ظهرها، قاله أبو هريرة - رض الله عنه - ورواه مرفوعاً، وهو قول من زعم أنها زلزلة القيامة.
الثاني : قال يحيى بن سلام :﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ بما أخرجت من أثقالها، وهو قول من زعم أنها زلزلة أشراط الساعة.
الثالث : قال ابن مسعود : أنها تحدث بقيام الساعة، إذا قال الإنسان : ما لها ؟ فتحبر أن أمر الدنيا قد انقضى، وأمر الآخرةِ قد أتى، فيكونُ ذلك منها جواباً لهم عند سؤالهم، ووعيداً للكافر، وإنذاراً للمؤمن.
وفي حديثها بأخبارها ثلاثةُ أقاويل : أحدها : أن الله تعالى يقلبها حيواناً ناطقاً، فتتكلم بذلك.
الثاني : أن الله يحدث فيها الكلام.
الثالث : أنه يكون منها بيان يقوم مقام الكلام.
قال الطبريُّ : تبين أخبارها بالرَّجَّة، والزلزلة، وإخراج الموتى.
قوله :﴿بِأَنَّ رَبَّكَ﴾ متعلق بـ " تُحدِّثُ "، أي : تحدث الأرض بما أوحى إليها ويجوز أن يتعلق بنفس أخبارها.
وقيل : الباء زائدة و " أنَّ " وما في حيزها بدل من أخبارها.
وقيل : الباء سببية، أي : بسبب إيحاء إليها.
وقال الزمخشريُّ :" فإن قلت : أين مفعولاً " تُحدِّثُ " ؟ قلت : حذف أولهما، والثاني : أخبارها، أي : تحدث الخلق أخبارها، إلا أن المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق تعظيماً لليوم.
فإن قلت : بم تعلقت الباء، في قوله " بأنًّ ربَّك " ؟.
قلتُ : بـ " تحدث " ومعناه : تحدث أخبارها بسبب إحاء ربك لها، وأمره إياها
٤٤٧


الصفحة التالية
Icon