وقرأ الحسن والأعرج : وقتادة، وحماد بن سلمة، ونصر بن عاصم، وطلحة، ويروى عن نافع : بفتحها.
قال الزمخشري : وهي قراءة رسول الله ﷺ مبنياً للفاعل.
قوله :﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾.
قال ابن عباس - رضي اله عنه - : من يعمل من الكفار مثقال ذرة خيراً يره في الدنيا، ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرة شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا مات، ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه، ويضاعف له في الآخرة.
وفي بعض الحديث :" أن الذرة لا زنةَ لهَا "، وهذا مثل ضربه الله تعالى أنه لا يغفل من عمل ابن آدم صغيرة، ولا كبيرة، وهو مثل قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء : ٤٠] وقد تقدم أن الذر لا وزن له.
وذكر بعض أهل اللغةِ : أن الذَّرَّ : أن يضرب الرَّجل بيده على الأرض، فما علق بها من التراب فهو الذَّر، وكذا قال ابن عباس : إذا وضعت يدك على الأرض، ورفعتها، فكل واحد مما لزق به من التراب ذرة.
وقيل : الذر نملة صغيرة، وأصغر ما تكون إذا مضى عليها حول.
قال امرؤ القيس :[الطويل] ٥٢٦٦ - مِنَ القَاصِراتِ الطَّرفِ لوْ دَبَّ مُحوِلٌ
مِنَ الذَّرَّ فوْقَ الإتْبِ منْهَا لأثَرَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٤٩
قال محمد بن كعب القرظي : فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر، يرى ثوابه في الدنيا، في نفسه وماله وأهله ووطنه، حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عند الله شر، " ودليله ما رواه أنس - رضي الله عنه - أن هذه الآية نزلت على النبي ﷺ [وأبو بكر يأكل فأمسك، وقال : يا رسول الله]، وإنا لنرى ما علمنا من خير وشر ؟ قال النبي :" يا أبا بكر، ما رأيْتَ في الدُّنيا مِمَا
٤٥٠
تكرَهُ فَهُوَ مَثَاقِلُ ذر الشر، ويدخر لكم مثاقِيلُ ذرِّ الخَيْرِ، حتَّى تُعطوهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ".
قال أبو إدريس : إن مصداقه في كتاب الله :﴿وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ [الشورى : ٣٠].
قال مقاتل : نزلت في رجلين، وذلك أنه لما نزل ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [الإنسان : ٨]، كان أحدهم يأتيه السائلُ، فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذَّنب اليسير، كالكذبة والغيبة والنظرة، ويقول : إنما أوعد اله النَّار على الكبائر، فنزلت ترغبهم في القليل من الخير أن يعطوه، فإنه يوشك أن يكثر، وتحذرهم اليسير من الذنب، فإنه يوشك أن يكثر، ولهذا قال النبي ﷺ :" اتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشقِّ تَمرةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجدْ فَبِكَلِمَةٍ طيّبةٍ ".
فصل في قراءة " يره " قوله :﴿يَرَهُ﴾، جواب الشرط في الموضعين.
وقرأ هشام بسكون هاء :" يَرَهُ " وصلاً في الحرفين، وباقي السبعة : بضمها موصولة بواو وصلاً، وساكنة وقفاً، كسائر " ها " الكناية.
ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر : سكونها.
وعن أبي عمرو : بضمها مشبعتين، وباقي السبعة بإشباع الأولى وسكون الثانية انتهى.
٤٥١
وكان ذلك لأجل الوقف على آخر السورة غالباً، أما لو وصلوا آخرها بأول " العَادِيَات " كان الحكم الإشباع، وهذا مقتضى أصولهم، وهو المنقول.
وقرأ العامة :" يَرَهُ " مبنياً للفاعل فيهما.
وقرأ ابن عبَّاسٍ والحسن ابنا علي بن أبي طالب، وزيد بن علي وابو حيوة وعاصم والكسائي في رواية الجحدريِّ والسلمي وعيسى بن عمر : بضم الياء، أي : يريه اللهُ إياه.
قال القرطبيُّ : والأولى الاختيار، لقوله تعالى :﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً﴾ [آل عمران : ٣٠].
وقرأ عكرمة :" يَرَاه " بالألف، إما على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة، وإما على توهم أن " من " موصولة.
وتقدم هذا في أواخر " يوسف ".
ومعنى " يره " أي : يرى جزاءه ؛ لأن ما عمله قد مضى وعدم.
وحكى الزمخشري : إن أعرابياً أخر :" خَيْراً يرهُ "، فقيل له : قدمت وأخرت ؛ فقال :[الطويل] ٥٢٦٧ - خُذَا جَنْبَ هَرْشَى أو قَفَاهَا فإنَّهُ
كِلاَ جَانِبَيْ هَرْشَى لهُنَّ طَريقُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٤٩
انتهى.
يريد : أن التقديم والتأخير سواء، وهذا لا يجوز - ألبتة - فإنه خطأ، فلا يعتمد به قراءة.
وفي نصب " خيراً، وشراً "، وجهان : أظهرهما : أنهما تمييز لأنه مقدار.
والثاني : أنهما بدلان من مثقال.

فصل في الكلام على هذه الآية قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : هذه أحكم آية في القرآن واصدق.


وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية، القائلون بالعموم ومن لم يقل به.
٤٥٢
قال كعبُ الأحبار - رضي الله عنه - : لقد أنزل الله تعالى على محمد ﷺ آيتين، أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف :﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾.
[وكان النبي ﷺ يسمي هذه الآية الجامعة الفاذّة].
روى مالك في " الموطأ " : أن مسكيناً استطعم عائشة - رضي الله عنها - وبين يديها عنب، فقالت لإنسان : خذ حبة وأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويتعجب، فقالت عائشة : أتعجب، كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة.
روى الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ عدَلتْ لهُ نِصفَ القُرآنِ، ومَنْ قَرَأ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ عدلتْ لهُ ثُلُثَ القُرآنِ ".
وعن علي - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ أربعَ مرَّاتٍ، كَانَ كَمَنْ قَرَأ القُرآنَ كُلَّهُ " والله أعلم.
٤٥٣
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٤٩


الصفحة التالية
Icon