[قال قتادة : يقهره ويظلمه، وقد تقدم في سورة " النساء " أنهم كانوا لا يورثون النساء، ولا الصغار، ويقولون : إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام].
وقال رسول الله ﷺ :" مَنْ ضمَّ يَتِيماً مِنَ المُسْلمينَ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة ".
قوله :﴿وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾، أي : لا يأمر به من أجل بخله، وتكذيبه الجزاء، والحساب.
وقرأ زيد بن علي :" ولا يحاضّ " من المحاضة.
وقد تقدم في الفجر.
قال القرطبي :" وليس الذم عامًّا حتى يتناول من تركه عجزاً، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنسفهم، ويقولون :﴿أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ﴾ [يس : ٤٧] فنزلت هذه الآية فيهم، فيكونُ معنى الآية : لا يفعلونه إن قدروا، ولا يحثون عليه إن عسروا ".
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥١١
قوله :﴿فَوَيْلٌ﴾ مبتدأ، ومعناه : عذابٌ لهم، وقوله :﴿لِّلْمُصَلِّينَ﴾ خبر والفاء للسبب، أي : تسبب عن هذه الصفات الذَّميمة الدعاء عليهم بالويل.
قال الزمخشريُّ بعد قوله :" كأنه قيل : أخبرني " : وما تقول فيمن يكذب بالدين أنعم ما يصنع، ثم قال تعالى :﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾ على معنى : فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم ؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم.
فإن قلت : كيف جعلت المصلين قائماً مقام الضمير " الذي يُكذِّبُ بالدينِ "، وهو واحد ؟ قلت : معناه الجمع ؛ لأن المراد الجنس.
قال أبو حيان : وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن " المُصلِّينَ " جمع، لأن ضمير " الذي يُكذِّبُ " معناه الجمع، فتكلُّف واضح، ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلاَّ ما عيله الظَّاهر، وعادة هذا الرجل أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة.
قال شهاب الدين : وعادة هذا الرجل التَّحامل على الزمخشري، حتى يجعل حسنهُ قبيحاً، وطيف يرد ما له، وفيه ارتباط الكلام بعضه ببعض، وجعله شيئاً واحداً، وما
٥١٤
تضكنه من المبالغة في الوعيد في إبراز وصفهم الشنيع، ولا شكَّ أن الظاهر من الكلام أن السورة كلها في وصف قد جمعوا بين هذه الأوصاف كلها من التكذيب بالدين، ودفع اليتيم، وعدم الحضّ على طعام المسكينِ، والسهو في الصلاة، ومنع الخيرِ.
قوله :﴿الَّذِينَ هُمْ﴾، يجوز أن يكون مرفوع المحل، وأن يكون منصوبه، وأن يكون مجروره، تابعاً أو بدلاً أو بياناً، وكذلك الموصول الثاني، إلاَّ أنه يحتمل ان يكون تابعاً للمصلين، وأن يكون تابعاً للموصول الأول.
وقوله :﴿يُرَآءُونَ﴾ أصله : يرائيون كـ " يقاتلون "، ومعنى المراءاة : أي : أن المرائي يُرى النَّاس عمله، وهم يرون الثَّناء عيله، فالمفاعلة فيها واضحة، وقد تقدم تحقيقه.
فصل في اتصال هذه الآية بما قبلها في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه : الأول : أنه لما كان إيذاء اليتيم، والمنع من بذل طعام المسكين، دليلاً على النفاق، كانت هاتين الخصلتين معاملة مع المخلوق.
والثاني : أنه تعالى لما ذكر هاتين الخصلتين مع التكذيب بيوم الدين، قال : أليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟ فقال : ويلٌ له من هذه الصلاة، كيف لا تنهاه عن هذه الأفعال المنكرة.
والثالث : كأنه يقول : إقدامه على إيذاء اليتيم، وتركه للحث على طعام المسكين تقصير في الشَّفقة على خلق الله تعالى، وسهوه في الصلاة تقصير في التعظيم لأمر الله تعالى، فلما وقع التقصير في الأمرين كملتْ شقاوته.
فصل في المراد بالمرائي في الصلاة قال ابنُ عباس : هو المصلي، الذي إذا صلّى لم يرجُ لها ثواباً، وإن تركها لم يخش عليها عقاباً.
وعنه أيضاً : الذين يؤخرونها عن أوقاتها.
" قال سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - : قال : قال النبي ﷺ في قوله تعالى :﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ﴾ :" الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا ".
٥١٥


الصفحة التالية
Icon