سورة المسد
مكية، وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وسبعة وسبعون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٤١
قوله تعالى :﴿تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾، أي : خسرت.
وتقدم تفسير هذه المادة في صورة غافر عند قوله :﴿إِلاَّ فِي تَبَابٍ﴾ [٣٧]، وأسند الفعل إلى اليدين مجازاً ؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه.
غافر : وقوله :﴿تَبَّتْ﴾ دعاء، ﴿وَتَبَّ﴾ إخبار، أي : قد وقع ما دعي به عليه ؛ كقول الشاعر :[الطويل] ٥٣٤١ - جَزانِي، جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جزائِه
جَزاءَ الكِلابِ العَاويَاتِ وقَدْ فعلْ
ويؤيده قراءة عبد الله :" وقَدْ تبَّ "، والظَّاهر أنَّ كليهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص ؛ لأن اليدين بعض، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد.
وقيل : كلاهما إخبار، أراد بالأول : هلاك علمه، وبالثاني : هلاك نفسه، وإنما عبر باليدين ؛ لأن الأعمال غالباً تُزاول بهما.
وقيل : المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس، كقوله تعالى :﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ [الحج : ١٠]، أي نفسك، وهذا شائع في كلام العرب يعبّرون ببعض الشيء عن كله، يقولون : أصابه يد الدهر، ويد المنايا، والرزايا، أي : أصابه كل ذلك.
٥٤٨
قال الشاعر :[مخلع البسيط] ٥٣٤٢ - لمَّا أكبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا
عَليْهِ نَادَى ألاّ مُجِيرُ
وقال ابن الخطيب : وعبر باليدين، إما لأنه كان يرمي النبي ﷺ بالحجارة، وقيل : المراد دينه، ودنياه وأولاده، وعقباه، أو المراد بأحدهما جر المنفعة، وبالأخرى : دفع المضرة، أو لأن اليمين سلاح، والأخرى جُنَّة.
وقل : بمعنى ماله، وبنيه، " وتَبَّ " هو نفسه وقيل :" تبَّ " يعني ولده وعقبه، وهو الذي دعا عليه رسول الله ﷺ فقال :" اللَّهمَّ سلِّط عليْهِ كَلباً من كِلابِكَ " لشدة عداوته، فافترسه الأسد.
وقرأ العامة :" لَهَب " بفتح الهاء، وابن كثير : بإسكانها.
فقيل : هما لغتان بمعنى نحو : النَّهَر والنَّهْر، والشَّعَر والشَّعْر، والبَعَر والبَعْر، والضَّجَر والضَّجْر.
وقال الزمخشري :" وهو من تغيير الأعلام، كقوله : شمس بن مالك، بالضم "، يعني أن الأصل : بفتح الشين فغيرت إلى الضم.
ويشير بذلك لقول الشاعر :[الطويل] ٥٣٤٣ - وإنِّي لمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَعاهِدٌ
بِهِ لابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٤٨
وجوز أبو حيان في " شمس " أن يكون منقولاً من " ِمس " الجمع، كما جاء " أذناب خيل شمس "، فلا يكون من التغيير في شيء.
وكني بذلك أبو لهب : إما لالتهاب وجنتيه، وكان مشرق الوجه، أحمرهُ، وإما لما يئول إليه من لهب جهنم، كقولهم : أبو الخير، وأبو الشر، لصدورهما منه، وإما لأن الكنية أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بأسمائهم جدون كُناهم، أو لقُبحِ اسمه ؛ لأن سامه عبد العُزَّى، فعدل عنه إلى الكنية ؛ لأن الله لم يضف العبودية في كتابة إلى صنم.
وقيل : اسمه أبو لهب، كما سمي أبو سفيان، وأبو طالب.
٥٤٩
وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : لم أكناه، والكنية تكومه ؟ ثم ذكر ثلاثة أجوبة : إما لشهرته بكنيته، وإما لقبح اسمه كما تقدم، وإما لتجانس قوله :" ناراً ذات لهبٍ " لأن مآله إلى لهب جهنم.
انتهى.
وهذا يقتضي أن الكنية أشرف، وأكمل لا أنقص، وهو عكس القول الذي تقدم آنفاً.
وقرئ :" يَدَا أبُو لهبٍ " بالواو مكان الجر.
قال الزمخشري :" كما قيل : علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لئلاَّ يغير منه شيء، فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير " مكة " ابنان : أحدهما :" عبدِ الله " بالجر، والآخر " عبدَ الله " بالنصب ".
ولم يختلف القراء في قوله :" ذَات لهب " أنها بالفتح.
والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل.
[قال قتادة : تبت خسرت.
وقال ابن عباس : خابت.
وقال عطاء : ضلت.
وقال ابن جبير : هلكت.
وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خير].
فصل في نزول الآية حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه لما قتل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - سمع الناس هاتفاً يقول :[مجزوء الوافر] ٥٣٤٤ - لَقدْ خَلَّوكَ وانْصَرفُوا
فَمَا آبُوا وَلا رَجعُوا
ولَمْ يُوفُوا بِنذْرِهِمُ
فَيَا تَبَّا لِمَا صَنَعُوا
فصل في نزول السورة " روى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : لما نزلت :{وَأَنذِرْ
٥٥٠