سورة الإخلاص
مكية في قول ابن مسعود، والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك، والسدي، وهيأربع آيات، وخمس عشرة كلمة، وسبعة ولأربعون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٥٨
قوله تعالى :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
في " هُوَ " وجهان : أحدهما : أنه ضمير عائد على ما يفهم من السياق، فإنه يروى في سبب النزول أنهم قالوا : صف لنا ربَّك وانسبه.
وقيل : قالوا له : أنُحَاسٌ هو أم حَديدٌ ؟ فنزلت.
وحينئذ يجوز أن يكون " اللهُ " مبتدأ، و " أحد " خبره، والجملة خبر الأولِ، ويجوز أن يكون " الله " بدلاً، و " أحد " الخبر، ويجوز أن يكون " الله " خبراً أولاً، و " أحد " خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون " أحد " خبراً لمبتدأ محذوف، أي " هو أحد "، والثاني : ضمير الشأن ؛ لأنه موضع تعظيم، والجملة بعد خبره مفسرة.
وهمزة " أحد " بدل من واو ؛ لأنه من الوحدة، وإبدال الهمزة من الواو المفتوحة قليل، منه : امرأة أناة من الونى، وهو الفُتُور، وتقدم الفرق بين " أحد " هذا، و " أحد " المراد به الهموم، فإن همزة ذاك أصل بنفسها.
ونقل أبو البقاء : أن همزة " أحد " هذا غير مقلوبة، بل أصلها بنفسها، فالمراد به العموم.
والأول هو المعروف.
وفرق ثعلب بين " أحد " و " واحد " بأنَّ الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان
٥٥٩
و " أحد " لا يدخله ذلك، ويقال : اللهُ أحد، ولا يقال : زيد أحد ؛ لأن الله تعالى هذه الخصوصية، وزيد له حالات شتى.
ورد عليه أبو حيَّان بأنه يقال : أحد وعشرون، ونحوه، فقد دخله العدد انتهى.
وقال مكيٌّ : إن أصله :" واحد " فأبدلت الواو همزة، فاجتمع ألفان ؛ لأن الهمزة تشبه الألف، فحذفت إحداهما تخفيفاً.
وقرأ عبد الله وأبيّ :﴿اللَّهُ أَحَدٌ﴾ دون " قُلْ ".
وقرأ النبي ﷺ :﴿اللَّهُ أَحَدٌ﴾ بغير ﴿قُلْ هُوَ﴾.
وقرأ الأعمش :" قل هو الله الواحد ".
وقرأ العامة : بتنوين " أحَدٌ " وهو الأصل.
وزيد بن علي وأبان بن عثمان، وابن أبي إسحاق والحسن، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية، في عدد كثير : بحذف التنوين للخفة، ولالتقاء الساكنين، كقوله :[الكامل] ٥٣٥٢ - عَمروُ الذي هَشَمَ الثَّريدَ لقومهِ
ورِجالُ مكَّة مُسنتُونَ عِجافُ
وقوله :[المتقارب] ٥٣٥٣ - …….........................
ولا ذَاكِرَ اللهَ إلاَّ قَلِيلاً
فصل والصمد : الذي يصمدُ إليه في الحاجات، ولا يقدر على قضائها إلا هو.
قال :[الطويل] ٥٣٥٤ - ألاَ بكَّرَ النَّاعِي بخَيْرِ بَنِي أسَدْ
بِعمْرِو بنِ مسعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٥٩
وقال آخر :[البسيط]
٥٦٠
٥٣٥٥ - عَلوتهُ بحُسَامٍ ثُمَّ قلتُ لهُ
خُذهَا حُذيْفُ فأنتَ السَّيِّدُ الصَّمدُ
وقيل : الثمد : المصمت الذي لا جوف له.
ومنه قوله :[الطويل] ٥٣٥٦ - شِهَابُ حُروبٍ لا تَزَالُ جِيَادهُ
عَوابِسَ يَعلُكْنَ الشَّكيمَ المُصَمَّدَا
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه : تفسيره، من قوله تعالى :﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ وهذا يشبه ما قالوه من تفسير الهلوع، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستقلة بفائدة هذا الخبر، ويجوز أن يكون " الصَّمد " صفة، والخبر في الجملة بعده، كذا قيل، وهو ضعيف من حيث السِّياق، فإن السياق يقتضي الاستقلال بأخبار عن كل جملة.
قال القرطبي :[ " لأنه ليس شيء إلا سيموت]، وليس شيء يموت إلا يورث ".
قيل : الصمد : الدائمُ الباقي الذي لم يزل، ولا يزال.
وقال أبو هريرة : إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
[وقال الحسن بن الفضل : إنه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل : إنه الكامل الذي لا عيب فيه].
قال القرطبيُّ : والصحيح من هذه الأقوال ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأول، ذكره الخطابي.
فصل في لفظ أحد قال ابن الخطيب : ونكر لفظ أحد، لأن الذي يعرفه الخلق من الموجودات محسوس، وكل محسوس منقسم، فأما ما لا ينقسم فلا يعرف، وعرَّف الصمد ؛ لأنه الذي يقصد إليه في الحوائج، وذلك معلوم عند الخلق، وقدم ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ وإن كان العرف سبق ؛ لأنه الأهم، وقوله تعالى :﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ كالحجة على أنه لم يلدْ، وجاء هنا ﴿لَمْ يَلِدْ﴾، وفي سورة " الإسراء " :﴿لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ [الإسراء : ١١١]، لأن من
٥٦١