أجري فضلة، لا خبراً، كما أن " لهُ " في الآية أجري فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله :" ولم يكن له أحد " بل لو تأخر " كُفُواًُ " وارتفع على الصفة وجعل " لهُ " خبراً لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو " كُفُواً " و " لَهُ " متعلق به، والمعنى : لم يكن أحد مكافئه انتهى ما قاله ابن حيَّان.
قال شهاب الدين : قوله :" ولا يشك " إلى آخره، تهويل على الناظر، وإلا
٥٦٤
فقوله :" هذا الظرف ناقص " ممنوع، لأن الظرف الناقص عبارة عما لم يكن في الإخبار به فائدة كالمقطوع عن الإضافة ونحوه، وقد نقل سيبويه الأمثلة المتقدمة، نحو :" ما كان فيها أحد خيراً منك " وما الفرق بين هذا، وبين الآية الكريمة، وكيف يقول هذا، وقد قال سيبويه في آخر كلامه :" والتقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير ".
فصل قرأ العامة :" كُفُواً " بضم الكاف والفاء، وقد سهل الهمزة الأعرج ونافع في رواية، وسكن الفاء حمزة وأبدل الهمزة واواً وقفاً خاصة، وأبدلها حفص واواً مطلقاً، والباقون بالهمزة مطلقاً.
قال القرطبي : ونقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى " أتتّخذنا هزواً ".
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم " كفاء " بالكسر والمد أي لا مثل له، وأنشد للنابغة :[البسيط] ٥٣٥٩ - لاَ تَقْذفنِّي برُكنٍ لا كِفاءَ لَهُ
……...................................
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٥٩
وقرأ نافع في رواية : كِفَا بالكسر وفتح الفاء من غير مد كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها.
والكفو النظير كقوله : هذا كفؤ لك : أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
قال ابن الخطيب : والتحقيق أنه تعالى لما أثبت الأحديَّة، والصمديّة، ونفى الوالدية، والمولودية ختم السورة بأن شيئاً من الموجودات يمتنع أن يساويه في شيء من صفات الجلال، والعظمة لانفراده سبحانه، وتعالى بوجوب الوجود لذاته.

فصل روى أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" يَقُول الله تعالى : كذَّبنِي


٥٦٥
ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ ذَلِكَ، وشَتمنِي ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، فأما تَكْذيبهُ فقوله : لن يُعِيدنِي كَمَا بَدأنِي، وليْسَ بأوَّل الخَلقِ وليس بأهْونَ عليَّ مِنْ إعَادَتِهِ، وأمَّا شتمهُ إيَّاي، فقوله : اتخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصَّمَدُ، لم ألدْ ولم أولَدْ ولم يكن لي كفواً أحد ".
فصل في فضائل هذه السورة " روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ يرددها، فلما أصبح جاء النبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال رسول الله ﷺ :" والَّذي نَفْسِي بيدهِ، إنَّها لتعْدِلُ ثُلثَ القُرآنِ " لأن القرآن أنزل ثلاثاً ؛ ثلثاً : أحكام.
وثلثاً : وعد ووعيد.
وثلثاً : أسماء وصفات، وجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
" وروى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي ﷺ بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله ﷺ، فقال :" سلُوه لأيِّ شيءٍ يصْنَعُ ذلِكَ " ؟ فسألوه : فقال : لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، فأنا أخبُّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله ﷺ " أخبرُوهُ أنَّ الله تعالى يُحِبُّهُ ".
" وروى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله ﷺ سمع رجلاً يقول :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فقال رسول الله ﷺ :" وَجَبَتْ "، قلتُ : ومَا وَجبَتْ ؟ قال :" الجَنَّةُ ".
وروى أنس عن رسول الله ﷺ أنه قال :" مَنْ قَرَأ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ خمسِينَ مرَّة غُفِرَتْ ذُنوبهُ ".
وروى سعيد بن المسيب - رضي الله عن - أن رسول الله ﷺ قال :" مَنْ قَرَأ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أحَدَ عشرة مرَّة بَنَى اللهُ لهُ قصْراً في الجنَّةِ، ومن قَرَأهَا عِشْرينَ مَرَّةً بَنى اللهُ لهُ قَصرينِ في الجنَّة، ومن قَرأهَا ثلاثين مرَّةً، بَنَى له بِهَا ثلاثة قُصُورٍ في الجنَّة " فقال عمرُ بن الخطاب : والله يا رسول الله إذاً لنُكثِّرنَّ قُصُورنَا، فقال - عليه الصلاة والسلام - :" اللهُ أوسعُ مِنْ ذلِكَ ".
٥٦٦
وقال رسولُ الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ في مَرَضِه الَّذي يَمُوتُ فِيهِ لمْ يُفْتَنْ في قَبْرِهِ، وأمِنَ من ضغطهِ القبْرِ، وحمَلتهُ الملائِكةُ يومَ القِيامةِ بأكُفِّها، حتَّى يُجيزَ الصِّراطَ إلى الجنَّةِ ".
فصل في أسماء هذه السورة في أسمائها : قال ابن الخطيب : سورة التفريد، وسورة التجريد، وسورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وسورة النجاة، وسورة الولاية، وسورة النسبة، لقولهم : انسبْ لنا ربَّك، وسورة المعرفة، وسورة الجمال، وسورة البراءة ؛ لأنها تبرئ من النفاق، وسورة الأساس، وسورة المحضر ؛ لأن الملائكة تحضر لسماعها، وسورة المانعة، والمنفرة، لأنها تنفر الشيطان، وسورة النور، لأنها تنور القلب، والله نور السموات والأرض.
والله أعلم.
٥٦٧
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٥٥٩


الصفحة التالية
Icon