خنزير، أو شيءٍ من المعاصي، فإنه لا يجوز إمضاؤه، ويجوز تبديله.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٣
يجوز في " مَنْ " الوجهان الجائزان في " مَنْ " قبلها، والفاء في " فَلاَ إِثْمَ " هي جوابُ شرطٍ، أو الدَّاخلة في الخبر.
و " مِنْ مُوصٍ " يجوز فيها ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أن تكون متعلِّقة بـ " خَافَ " على أنها لابتداء الغاية.
الثاني : أن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنها حال من " جَنَفاً "، قدمت عليه ؛ لأنها كانت في الأصل صفةً له، فلما تقدَّمت، نُصِبَتْ حالاً، ونظيره :" أَخَذْت مِنْ زَيْدٍ مَالاً "، إنْ شئت، علَّقت " مِنْ زَيْدٍ " بـ " أَخَذْتُ "، وإن شئت، جعلته حالاً من " مالاً " ؛ لأنه صفته في الأصل.
الثالث : أن تكون لبيان جنس الجانفين، وتتعلَّق أيضاً بـ " خَافَ " فعلى القولين الأولين : لا يكون الجانف من الموصين، بل غيرهم، وعلى الثالث : يكون من الموصين، وقرأ أبو بكر، وحمزة والكسائي، ويعقوب " مُوصٍّ " بتشديد الصَّاد ؛ كقوله :﴿مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً﴾ [الشورى : ١٣] و ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ﴾ [لقمان : ١٤] والباقون يتخفيفها، وهما لغتان ؛ من " أَوْصَى "، و " وَصَّى " ؛ كما قدَّمنا، إلا أن حمزة، والكسائيَّ، وأبا بكر من جملة من قرأ ﴿وَوَصَّى بِهَآ إِبْرَاهِيمُ﴾ [البقرة : ١٣٢] ونافعاً، وابن عامرٍ يقرءان " أَوْصَى " بالهمزة، فلو لم تكن القراءة سُنَّةً متبعة لا تجوز بالرَّأي، لكان قياس قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، وحفص هناك :" وَوَصَّى " بالتضعيف - أن يقرءوا هنا " مُوَصٍّ " بالتَّعيف أيضاً، وأمَّا نافع، وابن عامر، فإنهما قراءا هنا :" مُوصٍ " مخفَّفاً ؛ على قياس قِراءتهما هنا : ، و " أَوْصَى " على " أَفْعَلَ " وكذلك حمزة، والكسائيُّ، وأبو بكر قراءوا :" وَوَصَّى " - هناك بالتضعيف ؛ على القياس.
و " الخَوْفُ " هنا بمعنى الخشية، وهو الأصل.
فإن قيل : الخوف إنما يصحُّ في أمر سيصير، والوصيَّة وقعت، فكيف يمكن تعليقها بالخوف ؟ ! والجواب من وجوهٍ : أحدها : أن المراد منه أن المصلح، إذا شاهد الموصي، يوصي، وظهر منه أمارة
٢٤٥
الحيف، عن طريق الحقِّ مع ضرب من الجهالة، أو مع التأويل، أو شاهد من التَّعمُّد في الميل، فعند ظهور الأمارة تحقيق الوصيَّة، يأخذ في الإصلاح ؛ لأنَّ إصلاح الأمر عند ظهور أمارات فساده، وقبل تقرير فساده يكون أسهل ؛ فلذلك علَّقه - تعالى - بالخوف دون العلم.
الثاني : الموصي له الرجوع عن الوصيَّة، وفسخها، وتغييرها بالزِّيادة والنُّقصان، ما لم يمت، وإذا كان كذلك، لم يصر الجنف والإثم معلومين ؛ فلذلك علَّقه بالخوف.
الثالث : يجوز أن يصلح الورثة والموصى له بعد الموت على ترك الميل والجنف، وإذا كان ذلك منتظراً، لم يكن الجنف، والإثم مستقرّاً ؛ فصحَّ تعليقه بالخوف.
وقيل :[الخَوْفُ] بمعنى العلم، وهو مجازٌ، والعلاقة بينهما هو أنَّ الإنسان لا يخاف شيئاً ؛ حتى يعلم أنه ممَّا يُخاف منه، فهو من باب التعبير عن السَّبب بالمسبِّب ؛ ومن مجيء الخوف بمعنى العلم قوله تعالى :﴿إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة : ٢٢٩]، وقول أبي محجن الثقفيَّ :[الطويل] ٩٢٣ - إذَا مُتُّ فَادْفِنِّي إلى جَنْبِ كَرْمَةٍ
تُرَوِّي عِظَامِي في المَمَاتِ عُرُوقَهُا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥
وَلاَ تَدْفِنَنِّي في الفَلاَةِ فَإِنَّنِي
أَخَافُ إذَا مَا مُتُّ أَنْ لاَ أَذُوقُهَا
فعلى هذا يكون معنى الآية الكريمة أن الميِّت إذا أخطأ في وصيَّته، أو جنف فيها متعمِّداً، فلا حرج على من علم ذلك ان غيِّره، بعد موته، قاله ابن عباس، وقتادة، والرَّبيع، وأصل " خَافَ " " خَوَفَ " تحرَّكت الواو وانفتح ما قبلها ؛ فقلبت ألفاً، وأهل الكوفة يميلون هذه الألف.
و " الجَنَفُ " فيه قولان : أحدهما : الميل ؛ قال الأعشى :[الطويل] ٩٢٤ - تَجَانَفُ عَنْ حُجْرِ اليمَامَةِ نَاقِتِي
وَمَا قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِهَا لِسوَائِكَا
وقال آخر :[الوافر]
٢٤٦
٩٢٥ - هُمُ المَوْلَى وَإِنْ جَنَفُوا عَلَيْنَا
وَإِنَّا مِنْ لِقَائِهِمْ لَزُورُ
قال أبو عبيدة : المولى هاهنا في موضع الموالي، أي : ابن العمِّ ؛ لقوله تعالى :﴿ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر : ٦٧]، وقيل : هو الجسور.
قال القائل :[الكامل] ٩٢٦ - إنِّي امْرُؤٌ مَنَعَتْ أَرُومَةَ عَامِرٍ
ضَيْمِي وَقَدْ جَنَفَتْ عَلَيَّ خُصُومُ