وقال - عليه الصلاة والسلام - :" الإِضْرَارُ في الوَصِيَّةِ مِنَ الكَبَائِرِ " وقال - عليه الصلاة والسلام - :" إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ أو المَرْأَةَ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا المَوْتُ، فيُضارَّان في الوَصِيَّةِ، فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ " وروى عمران بن حصين، أن رجلاً أعتق ستة مملوكين عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فبلغ ذلك النبي ﷺ فغضب من ذلك، وقال : لقد هممت ألاَّ أصلي عليه [ثم دعى مملوكيه]، فجَزَّأهم ثلاثاً، وأقرع بينهم، وأعتق اثنين، وأرقَّ أربعة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٤٥
" الصِّيَام " : مفعولٌ لم يسمَّ فاعله، وقدَّم عليه هذه الفضلة، وإن كان الأصل تأخيرها عنه ؛ لأن البداءة بذكر المكتوب عليه آكد من ذكر المكتوب لتعلُّق الكتب بمن يؤدي، والصِّيام مصدر صام يصوم صوماً، والأصل :" صِوَاماً "، فأبدلت الواو ياء، والصَّوم مصدر أيضاً، وهذان البناءان - أعني : فعل وفعال - كثيران في كلِّ فعل واويِّ العين صحيح اللام، وقد جاء منه شيءٌ قليلٌ على فعولٌ ؛ قالوا :" غَارَ غُوُوراً "، وإنما استكرهوه ؛ لاجتماع الواوين، ولذلك همزه بعضهم، فقال :" الغُئُور ".
قال أبو العباس المقرئ : وقد ورد في القرآن " كَتَبَ " بإزاء أربعة معانٍ : الأول : بمعنى فرض ؛ قال تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، أي : فُرِضَ.
الثاني : بمعنى قضى ؛ قال تعالى :﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى ﴾ [المجادلة : ٢١]، ومثله :﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة : ٥١].
الثالثُ : بمعنى جَعَل ؛ قال تعالى :﴿ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة : ٢١]، أي : جعَلَ لكم، ومثله :﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ [المجادلة : ٢٢] أي : جعل.
الرابع : بمعنى أمر ؛ قال تعالى :﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة : ٤٥]، أي : أمرناهم.
والصيام لغةً : الإمساك عن الشيء مطلقاً، ومنه صامت الرَِّيح : أمسكت عن
٢٥٠
الهبوب، والفرس : أمسكت عن العدو ؛ قال :[البسيط] ٩٢٨ - وخَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ
تَحْتَ العَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا
وقال تعالى :﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـانِ﴾ [مريم : ٢٦]، أي : سكوتاً ؛ لقوله :﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً﴾ [مريم : ٢٦] وصام النهار، اشتدَّ حرُّه ؛ قال امرؤ القيس :[الطويل] ٩٢٩ - فَدَعْهَا وَسَلِّ الهَمَّ عَنْهَا بِجَسْرَةٍ
ذَمُولٍ إذَا صَامَ النَّهَارُ وَهَجَّرَا
وقال :[الرجز] ٩٣٠ - حَتَّى إذَا صَامَ النَّهَارُ وَاعْتَدَلْ
وَمَالَ لِلشِّمْسِ لُعَابٌ فَنَزَلْ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٠
كأنهم توهَّموا ذلك الوقت إمساك الشمس عن المسير، ومصام النُّجوم : إمساكها عن السَّير ؛ قال امرؤ القيس :[الطويل] ٩٣١ - كَأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقَتْ في مَصَامِهَا
بَأَمْرَاسِ كَتَّانٍ إلى صُمَّ جَنْدَلِ
قال الراجز :[الرجز]
٩٣٢ - وَالبَكَرَاتُ شَرُّهُنَّ الصَّائِمَهْ
وفي الشَّريعة : هو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات ؛ حال العلم بكونه صائماً، [مع اقترانه بالنِّيَّة].
قوله :" كَمَا كُتِبَ " فيه خمسة أوجه : أحدها : أن محلّها النصب على نعت مصدر محذوف، أي : كتب كتباً ؛ مثل ما كتب.
الثاني : أنه في محل نصب حال من المصدر المعرفة، أي : كتب عليكم الصِّيام الكَتْبَ مشبهاً ما كتب، و " ما " على هذين الوجهين مصدريةٌ.
الثالث : أن يكون نعتاً لمصدر من لفظ الصيام، أي : صوماً مثل ما كتب، فـ " ما " على هذا الوجه بمعنى " الذي "، أي : صوماً مماثلاً للصوم المكتوب على من قبلكم، و " صوماً " هنا مصدر مؤكِّد في المعنى ؛ لأن الصِّيام بمعنى :" أنْ تَصُوموا صَوْماً " قال أبو البقاء - رحمه الله -، وفيه أن المصدر المؤكِّد يوصف، وقد تقدَّم منعه عند قوله تعالى :
٢٥١