الكلامُ، تقديره :" فَأَفْطَرَ، فَعِدَّةً " ؛ ونظيرهُ ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ﴾ [البقرة : ٦٠] وقوله ﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ﴾ [الشعراء : ٦٣]، أي :" فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ ".
و " عِدَّة " " فِعْلَةٌ " من العدد، بمعنى : مَعْدُودَة، كالطِّحْنِ والذِّبْح، ومنه يقال للجماعة المعدودة مِنَ النَّاس عِدَّة، وعِدَّة المرأة مِنْ هذا، ونَكَّر " عِدَّة "، ولم يقل :" فعدّتها " ؛ اتّكالاً على المعنى ؛ فإنَّا بيَّنَّا أنَّ العدَّة بمعنى المعدُودة، فأمر بأن يصوم أيَّاماً معدودةً والظَّاهر : أنَّه لا يأتي إلاَّ بمثل ذلك العَدَ، فأغنى ذلك عن التعريف بالإضافة.
و " مِنْ أَيَّام " : في مَحلِّ رفع، أو نصبٍ على حَسَب القراءتين صفة لـ " عِدَّة ".
قوله " أُخَر " صفةٌ لـ " أيَّام " ؛ فيكون في محلِّ خفضٍ، و " أُخَرَ " على ضربَيْن.
أحدهما : جمع " أُخْرَى " تأنيث " أخَرَ " الَّذي هو أفعَلُ تَفضيل.
والثاني : جمع " أُخْرَى " بمعنى " آخِرَةِ " تأنيث " آخِرٍ " المقابل لأوَّل ؛ ومنه قوله تبارك وتعالى :﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ﴾ [الأعراف : ٣٩] فالضربُ الأَوَّل لا ينصرفُ للوَصف والعَدْل، واختلفُوا في كيفيَّة العَدْل : فقال الجمهورُ : إنه عَدلٌ عن الألف واللاَّم ؛ وذلك أنَّ " أُخَرَ " جمعُ " أُخْرَى "، و " أُخْرَى " تأنيث " آخَرَ " و " آخَرُ " أفعلُ تفضيلٍ لا يخْلُو عن أحدِ ثلاثةِ استعمالاتٍ.
إما مع " ألْ " وإمَّا مع " مَنْ "، وإما مع " الإضَافَةِ "، لكن مِنْ ممتنعةٌ ؛ لأن معها يلزمُ الإفرادُ والتذكير والإضافة في اللفظِ ؛ فقدَّرنا عدلَهُ عن الأَلِفِ واللاَّم، وهذا كما قالُوا في " سَحَرَ " إنَّه عدلٌ عن الألِفِ واللام، إِلاَّ أنَّ هذا مع العلميَّة، ومذهَبُ سيبويه : أنه عدل من صيغة إلى صيغةٍ ؛ لأنه كان حقُّ الكلام في قولك :" مَرَرْتُ بِنِسْوَةِ أَخَرَ " على وزن " فُعَلَ " أنْ يكون " بنِسْوَةٍ آخَرَ " على وزن " أَفْعَلَ " ؛ لأن المعنى على تقدي " مِنْ " فعُدِل عن المفرد إلى الجمع.
وأمَّا الضربُ الثَّاني : فهو منصرفٌ ؛ لِفُقْدَانِ العلَّة المذكورة، والفرقُ بين " أُخْرَى " التي للتفضيلِ، و " أُخْرَى " التي بمعنى متأخِّرة - أنَّ معنى الَّتي للتفضيل معنى " غَيْرَ "، ومعنى تِيكَ معنى " متأخِّرة " ؛ ولكونِ الأُولى بمعنى " غَيْر " لا يجوز أن يكونَ ما اتَّصلَ بها إلاَّ [منْ جنس ما قبلها ؛ نحو :" مررتُ بِكَ، وبرَجُلٍ آخر " ولا يجوز " اشْتَرَيْتُ هَذَا الجَمَلَ وَفَرَساً آخَرَ " ؛ لأنه من] غير الجنْسِ، فأما قوله في ذلك البيت :[البسط] ٩٣٤ - صَلَّى عَلَى عَزَّةَ الرَّحْمنُ وَابْنَتِهَا
لَيْلَى وَصَلَّى عَلَى جَارَاتِها الأُخَرِ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٤
فإنَّه جعل ابنتها جارة لها، ولولا ذلك، لَمْ يَجُزْ، ومعنَى التفضيل في " آخر " و " أَوَّل "، وما تصرَّف منها قلِقٌ مذكورٌ في كُتُب النَّحْو، وإنَّما وصفت الأيّام بـ " أُخَرَ "
٢٦٤