وهذا قد أُبْدِلَ فيه الظرفُ من المصْدَرِ، ويمكن أن يُوَجَّهَ قوله بأنَّ الكلامَ على حذفِ مضافٍ، تقديره : صيامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ؛ وحينئذٍ : يكون من باب بَدَلِ الشَّيء من الشَّيْءِ، وهما لعين واحدة، ويجوزُ أن يكون الرَّفع على البدلِ من قوله " أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ " في قراءة من رَفَعَ " أيَّامً "، وهي قراءة عبد الله، وفيه بُعْدٌ.
والقراءة الثانية : النصْبُ، وفيه أوجهٌ : أجودها : النصبُ بإضمار فعلٍ، أي : صُوموا شَهْر رَمَضَانَ.
الثاني - وذكره الأخفشُ والرُّمَّانِيُّ - : أن يكون بدلاً من قوله " أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ "، وهذا يُقَوِّي كون الأيام المعدُودَاتِ هي رمضان، إلا أن فيه بُعْداً من حيث كثرةُ الفَصْلِ.
الثالث : نَصْبُه على الإغراء ؛ ذكره أبو عُبَيْدة والحُوفِيُّ.
الرابع : أن ينتصبَ بقوله :" وأنْ تَصُومُوا " ؛ حكاه ابن عطية، وجوَّزه الزمخشريُّ، واعترض عليه ؛ بأن قال : فَعَلى هذا التقدير يصير النَّظم :" ْ تَصُومُوا رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ خَيْرٌ لَكُمْ " فهذا يقتضي وقوعَ الفَصْل بين المبتدأ والخَبَر بهذا الكَلامَ الكثير، وهو غَيْرُ جائزٍ ؛ لأنَّ المبتدأ والخَبَر جاريان مَجْرَى شيءٍ واحدٍ، وإيقاع الفضْلِ بين الشَّيءِ الواحد غيرُ جائزٍ.
وغلَّطَهُما أبو حيان : بأنَّه يَلْزَمُ منه الفصلُ بين الموصول وصلته بأجنبيٍّ، لأنَّ الخبر، وهو " خَيْرٌ " أَجْنَبِيٌّ من الموصول، وقد تقدَّم أنه لا يُخْبَرُ عن الموصول، إلاَّ بعد
٢٧٤
تمام صلتِهِ، و " شَهْر رَمَضَانَ " على رأيهم من تمام صلة " أَنْ "، فامتنع ما قالوه، وليس لقائل أن يقول : يتخرَّجُ ذلك على الخلاف في الظَّرف، وحرف الجَرِّ، فإنه يُغْتضفَرُ فيه ذلك عند بعضهم ؛ لأنَّ الظاهر من نصبه هنا أنه مفعولٌ به لا ظرفٌ ".
الخامس : أنه منصوبٌ بـ " تَعْلَمُونَ " ؛ على حذف مضافٍ، تقديره : تعلمونَ شرفَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مُقَامَهُ في الإعراب.
وأدغم ابو عمرو رَاءَ " شَهْر " في راء " رَمَضَان "، ولا يُلْتَفَتُ إلى من استضعفها ؛ من حيث إنَّه جمع بين ساكنين على غير حدَّيهما، وقول ابن عطيَّة :" وذلك لا تقتضيه الأصول " غير مقبولٍ منه ؛ فإنَّه إذا صَحَّ النقل، لا يُعارضُ بالقِياس.
والشهر لأهْلِ اللُّغة فيه قولان : أشهرهما : أنه اسمٌ لمُدَّة الزمان التي يكون مَبْدَأَها الهلالُ خافياً إلى أن يَسْتَسْرَّ ؛ سُمِّيَ بذلك لشُهْرَتِهِ في حاجة الناس إليه من المعاملات، والصوم، والحجِّ، وقضاء الدُّيُون، وغيرها.
والشَّهر مأخذوذٌ من الشُّهْرَة، يُقَالُ : شَهَر الشَّيْءَ يَشْهَرُهُ شَهْراً : إذا أظهره، ويسمَّى الشَّهْرُ : شَهْراً، لشُهْرَة أمره، والشُّهْرَة : ظهورُ الشيءِ، وسمي الهلال شهراً ؛ لشُهْرته.
والثاني - قاله الزَّجَّاج - : أنه اسمٌ للهلال نفسه ؛ قال :[الكامل] ٩٤٠ -...................
وَالشَّهْرُ مِثْلُ قُلاَمَةِ الظُّفْرِ
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٣
ذلك ؛ لبيانه ؛ قال ذو الرُّمَّةِ :[الطويل] ٩٤١ -..................
يَرَى الشَّهْرَ قَبْلَ النَّاسِ وَهْوَ نَحِيلُ
يقولون : رأيتُ الشهْرَ، أي هِلاَلَهُ، ثم أُطلِقَ على الزمان ؛ لطلوعه فيه، ويقال : أشْهَرْنَا، أي : أتى علينا شَهْرٌ، قال الفَرَّاءُ :" لَمْ أَسْمَعْ فَعْلاً إلاَّ هذا ".
٢٧٥


الصفحة التالية
Icon