" إذا " ظرف زمان مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالباً، ولا تكون إلاّ في الأمر المحقق، أو المرجح وقوعه، فلذلك لم تجزم إلا في شِعْرٍ ؛ لمخالفتها أدوات الشرط ؛ فإنها للأمر المحتمل، فمن الجزم قوله :[البسيط] ١٩٣ - تَرْفَعُ لي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لِي
نَاراً إِذَا خَمَدَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدِ
وقال آخر :[الكامل] ١٩٤ - وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالغِنَى
وَإِذّا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ
وقال الآخر :[الطويل] ١٩٥ - إِذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا
خُطَانَا إِلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبِ
٣٤٦
فقوله :" فَنُضَارب " مجزوم لعطفه على محل قوله " كان وصلها ".
وقال الفرزدق :[الطويل] ١٩٦ - فَقَامَ أَبُو لَيْلَى إِلَيْهِ ابْنُ ظَالِمِ
وَكَانَ إذَا مَا يَسْلُلِ السَّيْفَ يَضْرِبِ
وقد تكون للزمن الماضي كـ :" إذ " كما قد تكون " إذ " للمستقبل كـ " إذا ".
فمن مجيء " إذا " ظرفاً لما مَضَى من الزمان واقعةً موقع " إذ " قوله تعالى :﴿وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ﴾ [التوبة : ٩٢]، وقوله :﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا ااْ إِلَيْهَا﴾ [الجمعة : ١١]، قال به ابن مالك، وبعض النحويين.
ومن مجيء " إذ " ظرفاً لما يستقبل من الزمان قوله تعالى :﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلاَلُ فِى أَعْنَاقِهِمْ﴾ [غافر : ٧٠].
وتكون للمفاجأة أيضاً، وهل هي حينئذ باقية على زمانيتها، أو صارت ظرف مكان أو حرفاً ؟ ثلاثة أقوال : أصحُّها الأول استصحاباً للحال، وهل تتصرف أم لا ؟ الظاهر عدم تصرفها، واستدلّ من زعم تصرفها بقوله تعالى في قراءة من قرأ :﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً﴾ [الواقعة : ١ - ٤] بنصب " خافضة رافعة "، فجعل " إذا " الأولى مبتدأ، والثانية خبرها.
والتقدير : وَقْتُ وقوع الواقعة رجّ الأرض، وبقوله :﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا﴾ [الزمر : ٧١]، و ﴿حَتَّى إِذَا كُنتُمْ﴾ [يونس : ٢٢] فجعل " حتى " حرف جر، و " إذا " مجرورة بها، وسيأتي تحقيق ذلك في مواضع.
ولا تُضَاف إلاَّ الجُمَلِ الفعلية خلافاً للأخفش.
وقوله :" قيل " فعل ماضٍ مبني للمفعول، وأصله :" قَوَلَ " كـ :" ضرب "، فاستثقلت الكسرة على " الواو "، فنقلت إلى " القاف " بعد سَلْبِ حركتها، فسكنت " الواو " بعد كسرة، فقلبت " ياء "، وهذه أفصح اللغات، وفيه لغة ثانية، وهي الإشمام، والإشمام عبارة عن جعل الضّمة بين الضم والكَسْرِ.
ولغة ثالثة وهي : إخلاص الضم، نحو :" قُولَ وبُوعَ "، قال الشاعر :[الرجز] ١٩٧ - لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئاً لَيْتَ
لَيْتَ شَبَاباً بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٦
٣٤٧
وقال الآخر :[الرجز] ١٩٨ - حُوكَتْ عَلَى نَوْلَيْنِ إذْ تُحَاكُ
تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلاَ تُشَاكُ
وقال الأخفش :" ويجوز " قُيُل " بضم القاء والياء "، يعني مع الياء ؛ لأن الياء تضم أيضاً.
وتجيء هذه اللغات الثلاث في " اختار " و " انقاد "، و " ردّ " و " حَبَّ " ونحوها، فتقول :" اختير " بالكسر، والإِشْمَام، و " اختورط، وكذلك :" انقيد "، و " انقود "، و " رَدَّ "، و " رِدَّ "، وأنشدوا :[الطويل] ١٩٩ - وَمَا حِلُّ مِنْ جَهْلٍ حُبَا حُلَمَائِنَا
وَلاَ قَائِلُ المَعْرُوفِ فِينَا يُعَنَّفُ
بكسر حاء " حل ".
وقرىء :" وَلَوْ رِدُّوا " [الأنعام : ٢٨] بكسر الراء.
والقاعدة فيما لم يسم فاعله أن يُضَمّ أول الفعل مطلقاً ؛ فإن كان ماضياً كسر ما قبل آخره لفظاً نحو :" ضرب "، أو تقديراً نحو :" قيل "، و " اختير ".
وقد يضم ثاني الماضي أيضاً إذا افتتح بتاء مُطَاوعة نحو :" تُدُحْرج الحجر "، وثالثه إن افتتح بهمزة وصل نحو :" انْطُلِقَ بزيد " واعلم أن شرط جواز اللغات الثلاث في " قيل "، و " غيض "، ونحوهما ألا يلتبس، فإن التبس عمل بمقتضى عدم اللَّبْس، هكذا قال بعضهم، وإن كان سيبويه قد أطلق جواز ذلك، وأشَمّ الكسائي :﴿قِيلَ﴾ [البقرة : ١١]، ﴿وَغِيضَ﴾ [هود : ٤٤]، ﴿وَجِيءَ﴾ [الزمر : ٦٩]، ﴿وَحِيلَ﴾ [سبأ : ٥٤] ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ﴾ [الزمر : ٧١] و ﴿سِى ءَ بِهِمْ﴾ [هود : ٧٧]، و ﴿سِيئَتْ وُجُوهُ﴾ [الملك : ٢٧]، وافقه هشام في الجميع، وابن ذكوان في " حِيْل " وما بعدها، ونافع في " سيء " و " سيئت "، والباقون بإخلاص الكسر في الجميع.
والإشْمَام له معان أربعة في اصطلاح القراء سيأتي ذلك في قوله :﴿لاَ تَأْمَنَّا﴾ [يوسف : ١١] إن شاء الله تعالى.
و " الهم " جار ومجرور متعلّق بـ " قيل "، و " اللاَّم " للتبليغ، و " لا " حرف نهي يجزم
٣٤٨