وهذا قولُ ابن عطية والزمخشري وأبي البقاء وإنَّما حَسُنَتْ زيادةُ هذه اللام في المَفعولِ - وإنْ كان ذلك إنَّما يكونُ إذا كان العاملُ فَرْعاً، أو تقدَّمَ المعمولُ - من حيث إنه لمَّا طال الفصلُ بين الفعلِ وبين ما عُطِفَ على مفعوله، ضَعُفَ بذلك تَعَدِّيه إليه، فَعُدِّيَ بزيادة اللام ؛ قياساً لِضَعْفه بطولِ الفصلِ ضَعْفِه بالتقديم.
الثاني : إنَّها لامُ التعليل، وليست بزائدةٍ، واختلف القائلون بذلك على ستةِ أوجه : أحدها : أن يكونَ بعد الواوِ فعلٌ محذوفٌ وهو المُعَلَّل، تقدير :" وَلِتُكْمِلُوا العِدّضةَ فَعَلَ هَذَا "، وهو قولُ الفراء.
الثاني - وقاله الزَّجَّاج - أن تكون معطوفةً على علَّة محذوفةٍ حُذِف معلولُها أيضاً تقديره : فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ ؛ ليسهّل عليكم، ولِتُكْمِلُوا.
الثالث : أن يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقَّراً بعد هذه العلةِ تقديرُه :" ولِتُكْمِلُوا العِدَّةَ رَخَّصَ لكُمْْ فِي ذَلِكَ " ونسبه ابن عطيَّة لبعض الكوفيين.
الرابع : أنَّ الواو زائدةٌ، تقديرُه : يُرِيدُ اللَّه بِكُمْ كَذَا لِتُكْمِلُوا، وهذا ضَعِيفٌ جِداً.
الخامس : أنْ يكونَ الفعلُ المُعَلَّلُ مقدَّراً بعد قوله :" وَلَعَلَّكُمْ تُشْكُرُونَ "، تقديرُه : شَرَعَ ذلك، قاله الزمخشري، وهذا نصُّ كلامه قال :" شَرَعَ ذَلِكَ، يعني جُملة ما ذلك من أمر الشاهد بصَوم الشَّهر، وأمر المُرَخَّص لهُ بمراعاة عدَّة ما أفطر فيه، ومن الترخيص في إباحة الفطرِن فقولهُ :" وَلِتُكْمِلُوا " علَّةُ الأمر بمراعاة العدَّةن و " لِتُكَبِّرُوا " علةُ ما عُلِمَ من كيفية القضاءِ والخروج عن عُهْدةٍ الفِطْر و " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " علةُ الترخيص ولاتيسير، وهذا نوعٌ من اللَّفِّ لطيفُ المَسْلَكِ، لا يهتدي إلى تبيُّنه إلا النُقَّابُ من علماء البَيَانِ ".
السادس : أن تكون الواوُ عاطفةً على علَّةٍ محذوفةٍ، التقديرُ : لتعملوا ما تعملو، ، ولِتُكْمِلُوا، قاله الزمخشريُّ ؛ وعلى هذا، فالمعلَّلُ هو إرادةُ التيسير واختصارُ هذه الأوجه : أنْ تكون هذه اللامُ علةً لمحذوفٍ : إمَّا قبلها، وإمَّا بعدها، أو تكونَ علةً للفعل المذكور قبلها، وهو " يُرِيدُ ".
القول الثالث : أنهَّا لام الأمر وتكونُ الواوُ قد عطفت جملةً أمريةً على جملةٍ خبريَّةٍ ؛ فعلى هذا يكونُ من بابِ عطفِ الجملِ ؛ وعلى ما قبلَهك يكونُ من عطف المفردات ؛ كما تقدَّم تقريرُه، وهذا قولُ ابن عطيَّة، وضَعَّفه أبو حيان بوجهين :
٢٨٩
أحدهما : أَنَّ أمرَ المخاطبِ بالمضارع مع لامِهِ لغةٌ قليلةٌ، نحو : لِتَقُمْ يَا زَيْدُ، وقد قرئ شَاذَاً :﴿فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس : ٥٨] بتاء الخطاب.
والثاني : أن القُرَّاء أجمعُوا على كسر هذه اللام، ولو كانت للأمر، لجاز فيها الوجهان : الكسرُ والإسكانُ كأخواتها.
وقرأ الجمهورُ " وَلِتُكْمِلُوا " مخفَّفاً من " أكْمَلَ "، والهمزةُ فيه للتعدية، وقرأ أبو بكرٍ بتشديدِ الميم، والتضعيفُ للتعدية أيضاً ؛ لأنَّ الهمزة والتضعيف يتعاقبان في التعدية غالباً، والألفُ واللاَمُ في " العِدَّةِ " تَحْتَملُ وجهين : أحدهما أنها للعهدِ، فيكونُ ذلك راجعاً على قوله تعالى :﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ وهذا هو الظاهرُ.
والثاني : أنْ تكونَ للجنس، ويكونُ ذلك راجعاً على شهرِ رمضانَ المأمورِ بصَومهِ، ولامعنى : أنكم تأتُون ببدلِ رمضان كاملاً في عِدَّته، سواءً كان ثلاثين أم تسعةً وعشرين.
قال ابن الخطيب : إنما قال :" وَلِتُكْمِلُوا العِدّةَ " ولم يقل :" ولِتُكْمِلُوا الشَّهْرَ " ؛ لأنه لما قال :" وَلِتُكْمِلُوا العِدَّة " دخل تحته عدة أيَّام الشهر، وأيام القضاء، لتقدُّم ذكرهما جميعاً ؛ ولذلك يجب أن يكون عدد القضاء مثلاً لعدد المضي، ولو قال :" وَلِتُكْمِلُوا الشَّهْرَ " لدل على حكم الأداء فقط، ولم يدخل حكم القضاء.
واللامُ في " وَلِتُكَبِّرُوا " كهي في " وَلِتُكْمِلُوا " فالكلامُ فيها كالكلام فيها، إلا أن القول الرابع لا يتأتَّى هنا.
قوله :" عَلَى مَا هَدَاكُمْ " هذا الجارُّ متعلِّقٌ بـ " تُكَبِّرُوا " وفي " عَلَى " قولان : أحدهما : أنها على بابها من الاستعلاءِ، وإنما تَعَدَّى فعلُ التكبير بها ؛ لتضمُّنِهِ معنى الحمدِ.
قال الزَّمخشري :" كأنَّه قيل : ولِتكَبِّروا اللَّهَ حَامِدِينَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ " قال أبو حيان - رحمه الله - :" وهذا منه تفسيرُ معنىً، لا إعراب ؛ إذ لو كان كذلك، لكان تعلُّقُ " عَلَى :" بـ " حَامِدِينَ " التي قَدَّرها، لا بـ " تُكَبِّرُوا "، وتقديرُ الإعراب في هذا هو :" وَلِتَحْمدُوا الله بالتكْبِيرِ على ما هَدَاكُم " ؛ كما قدَّره الناسُ في قوله :[الراجز]
٩٤٦ - قَدْ قَتَلَ اللَّهُ زِيَاداً عَنِّي
٢٩٠
أي : صَرَفَه باقتلِ عني، وفي قوله :[الطويل] ٩٤٧ - وَيَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوَارِسٌ
بَصِيرُونَ فِي طَعْنِ الكُلَى وَالأَبَاهِرِ