مُسْتغفرين بالأَسحارِ، وأَعظمُ أَنواع الاستغفار الفرائضُ ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - حاكياً عن رَبّه :" لن يتقرّب المتقرّبون إليّ بمِثْل أَدَاءِ ما افترضتُ عَلَيْهِمْ ".
الثاني : رُوِيَ أَنَّ التكبيرة الأُولى فيها في الجماعة خيرٌ مِنَ الدُّنْيا وما فيها.
الثالث : أنه ثبتَ أَنَّ صلاة الصبح مخصوصة بالأَذانِ مرَّتين : مرَّة قبل طُلُوع الفجر، ومرةً بعده.
فالأول : لإيقاظِ الناس من نومِهم، وتأهبهم.
والثاني : الإِعلامُ بدخول الوقت.
الرابع : أَنَّ الله سمّاها بأسماء، فقال في بني إسرائيل ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ﴾ وقال في النور ﴿مِّن قَبْلِ صَلَواةِ الْفَجْرِ﴾ [النور : ٥٨] وقال في الروم ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم : ١٧] وقال عمر - رضي الله عنه - أن المراد من قوله ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ [الطور : ٤٩] صلاة الفجر.
الخامس : أن الله تعالى أقسَمَ بها، فقال :﴿وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾ [الفجر : ١ - ٢].
فإن قيل : قد أقسم الله تعالى - أيضاً - بالعصر فقال :﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ﴾ [العصر : ١ - ٢] قلنا : سلمنا أن المراد منه القسم بصلاة العصر، لكن في صلاة الفجرمزيدُ تأكيدٍ وهو قوله :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود : ١٤] فكما أنّ أحدَ الطرفين، وهو الصبحُ، وهو واقعٌ قبل الطلُوع والطرف الآخرُ هو المغرب ؛ لأنه واقعٌ قبل الغُرُوب، فقد اجتمع في الفجر القسمُ به، مع التأكيد بقوله :﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ [هود : ١٤] هذا التأكيدُ لم يوجد في العصر.
السادس : أن التثويب في أذان الصُّبح معتبرٌ، وهو قولُ المؤذن : الصلاةُ خيرٌ من النَّومِ، وهذا غيرُ حاصل في سائر الصلواتِ.
السابع : أَنَّ الإنسان إذا قام مِنْ نومِه فكأنه كان معدُوماً، ثم صار موجوداً أو كان مَيْتاً، ثم صار حياً، فإذا شاهد العَبْدُ هذا الأمر العظيم، فلا شكَّ أنَّ هذا الوقت أليقُ الأَوقاتِ، بأَن يظهر العبدُ الخضوع، والذلة والمسكنة في هذه العبادة.
وثامنها : رُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه سُئِل عن الصلاةِ الوسطى، فقال : كنا نرى أنَّها الفجرُ.
٢٢٩
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّه صلى الصبح، ثم قال : هذه هي الصلاةُ الوسْطى.
القول الرابع : أَنَّهُ صلاةُ الظهرِ، وهو قول عمر، وزيدٍ بن ثابت، وأبي سعيد الخدري، وأُسامة بن زيدٍ، وهو قول أبي حنيفة، وأصحابه، واحتجُّوا بوجوه : الأول : أن الظهرَ كان شاقّاً عليهم ؛ لوقوعه في وقتِ القَيْلُولة، وشدَّةِ الحرِّ، فصرفُ المبالغة فيه أولى.
الثاني : روى زيد بن ثابت أَنَّ النبي - ﷺ - كان يصلي بالهاجرة، وكان أثقلَ الصلواتِ على أصحابه، وربما لم يكُن وراءه إلاّ الصَّفُّ، والصَّفَّاِ، فقال عليه الصلاة والسلام :" لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُحْرِّقَ عَلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَة في بُيُوتهم " فنزلت هذه الآيةُ.
الثالث : أن صلاة الظُّهر تقع في وسط النهار، وليس في المكتوباتِ صلاة تقع في وسطِ النهارِ، وهي أَوسطُ صلاةِ النَّهارِ في الطول.
الرابع : قال أبو العالية : صليتُ مع أصحابِ النبي - ﷺ - الظهرَ، فلمّا فرغُوا سأَلتُهم عن الصلاةِ الوسطى فقالوا : التي صلَّيتَها.
الخامس : روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تقرأ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَة الوُسْطَى وَصَلاَةَ العَصْرِ "، وكانت تقولُ سمعتُ ذلك من رسول الله - ﷺ -.
٢٣٠
وجهُ الاستدلالِ أنها عطفت صلاةَ العَصْرِ على الصلاةِ الوُسْطى، والمعطوفُ عليه قبل المعطُوفِ، والذي قبل العصر هي صلاةُ الظهر.
السادس : رُوي أنَّ قوماً كانوا عند زيد بن ثابتٍ، فأرسلوا إلى أُسامة بن زيدٍ، وسأَلُوه عن الصَّلاةِ الوُسطى، فقال : هي صلاةُ الظهرِ كانت تقامُ في الهَاجِرة.
السابع : روي في الحديث أن أوَل إِمامة جبريل - عليه السلام - كانت في صلاةِ الظهر، فَدَلَّ على أنّها أشرف، فكان صرفُ التَّأكيد إليها أولى.
الثامن : أَنَّ صلاةَ الجمعة هي أشرفُ الصَّلواتِ، وهي صلاةُ الظهرِ فصرف المبالغة إليها أولى روى الإمامُ أحمدُ، وصحَّحَه : أنَّ النبي - ﷺ - سُئِل عن الصلاة الوسطى [فقال] العصرُ.
ورَوى أحمدُ، والترمذيُّ، وصحَّحه : أن النبي - ﷺ - سُئِل عن صلاةِ الوسطى فقال :" حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ والصَّلاةِ والوُسْطَى وَصَلاةَ العَصْرِ " ثم نُسِخَت هذه الكلمةُ، وبقي قولُه :" وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ ".
فإن قيل قد روي أنَّ عائشة أمرت أن يكتب لها مصحف، وقالت للكاتب : إذا بلغت قوله تعالى :﴿والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ﴾ فآذِنِّي، فلما وصل الكاتب إلى قوله تعالى :﴿والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ﴾ آذنها فأمرته أن يكتب :" وَصَلاَةَ العَصْرِ " وقالت : هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٢٣١


الصفحة التالية
Icon