والأصل : وصية بمتاع، ثم حذف حرف الجرِّ، اتساعاً، فنصب ما بعده، وهذا إذا لم تجعل " الوصيَّة " منصوبةٌ على المصدر ؛ لأن المصدر المؤكَّد لا يعمل، وإنما يجيء
١٤٠
ذلك حال رفعها، أو نصبها على المفعول ؛ كما تقدَّم تفصيله.
والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ، إمَّا من لفظه، أي : متِّعوهنَّ متاعاً، أي : تمتيعاً، أو من غير لفظه، أي : جعل الله لهنَّ متاعاً.
الثالث : أنه صفةٌ لوصية.
الرابع : أنه بدل منها.
الخامس : أنه منصوبٌ بما نصبها، أي : يوصون متاعاً، فهو مصدر أيضاً على غير الصدر ؛ كـ " قَعَدْتُ جُلُوساًَ "، هذا فيمن نصب " وَصِيَّةٌ ".
السادس : أنه حالٌ من الموصين : أي ممتَّعين أو ذوي متاعٍ.
السابع : أنه حالٌ من أزواجهم، [أي] : ممتَّعاتٍ أو ذوات متاعٍ، وهي حالٌ مقدَّرة إن كانت الوصية من الأزواج.
وقرأ أُبيٌّ :" مَتَاعٌ لأَزْوَاجِهِمْ " بدل " وَصِيَّةٌ "، وروي عنه " فَمَتَاعٌ "، ودخول الفاء في خبر الموصول ؛ لشبهه بالشرط، وينتصب " مَتَاعاً " في هاتين الروايتين على المصدر بهذا المصدر، فإنه بمعنى التمتيع ؛ نحو :" يُعْجِبُنِي ضَرْبٌ لَكَ ضَرْباً شَدِيداً "، ونظيره :﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً﴾ [الإسراء : ٦٣]، و " إِلَى الحَوْلِ " متعلِّقٌ بـ " مَتَاع " أو بمحذوفٍ ؛ على أنه صفة له.
قوله تعالى :﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ في نصبه ستة أوجهٍ : أحدها : أنه نعتٌ لـ " مَتَاعاً ".
الثاني : أنه بدلٌ منه.
الثالث : أنه حالٌ من الزوجات، أي : غير مخرجات.
الرابع : أنه حالٌ من الموصين، أي : غير مخرجين.
الخامس : أنه منصوب على المصدر، تقديره : لا إخراجاً، قاله الأخش.
السادس : أنه على حذف حرف الجرِّ، تقديره : من غير إخراجٍ، قاله أبو البقاء، قال شهاب الدين : وفيه نظر.
فصل في المراد بقوله " غير إخراج " معنى قوله :﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ أي : ليس لأولياء الميِّت ووارثي المنزل ؛ إخراجها، " فَإِنْ خَرَجْنَ " أي : باختيارهن قبل الحول " فلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم "، أي : لا حرج على وليِّ أحدٍ وُلِّيَ، أو حاكم، أو غيره ؛ لأنه لا يجب عليها المقام في بيت زوجها حولاً.
وقيل : لا جناح في قطع النّفقة عنهن، أو لا جناح عليهنَّ في التشرُّف إلى الأزواج،
٢٤١
إذ قد انقطعت عنهنَّ مراقبتكم أيُّها الورثة، ثم عليها أنها لا تتزوج قبل انقضاء العدَّة بالحول أو لا جناح في تزويجهنَّ بعد انقضاء العدّة، لأنه قال :" بالمَعْرُوفِ "، وهو ما يوافق الشرع.
و ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ صفةٌ تقتضي الوعيد بالنسبة لمن خالف الحدَّ في هذه النازلة، في إخراج المرأة، وهي لا تريد الخروج ﴿حَكِيمٌ﴾، أي مُحْكِمٌ لما يريد من أمور عباده والله أعلم.
قوله :﴿فِي مَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ﴾ هذان الجارَّان يتعلَّقان بما تعلَّق به خبر " لا " وه " عَلَيْكُمْ " من الاستقرار، والتقدير : لا جناح مستقرٌّ عليكم فيما فعلن في أنفسهنَّ، و " مَا " موصولةٌ اسميةٌ، والعائد محذوف، تقديره : فعلنه، و " مِنْ مَعْرُوفٍ " متعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنه حالٌ من ذلك العائد المحذوف، وتقديره : فيما فعلنه كائناً من معروفٍ.
وجاء في هذه الآية ﴿مِن مَّعْرُوفٍ﴾ نكرةً مجرورةً بـ " مِنْ "، وفي الآية قبلها " بِالمَعْرُوفِ " معرَّفاً مجروراً بالباء ؛ لأنَّ هذه لام العهد ؛ كقولك :" رَأَيْتُ رَجُلاً فَأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ " إلاَّ أنَّ هذه، وإن كانت متأخِّرةً في اللفظ، فهي متقدِّمة في التنزيل، ولذلك جعلها العلماء منسوخةً بها، إلا عند شذوذٍ، وتقدَّم نظائر هذه الجمل، فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيها.
فصل في سبب النزول في هذه الآية ثلاثة أقوالٍ : الأول : وهو اختيار جمهور المفسرين أنها منسوخةٌ، قالوا : نزلت الآية في رجل من أهل الطائف، يقال له : حكيم بن الحرث، هاجر إلى المدينة، وله أولاد، ومعه أبواه وامرأته، فمات، فأنزل الله هذه الآية ؛ فأعطى النبي ﷺ والديه، وأولاده ميراثه، ولم يعط امرأته شيئاً، وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً كاملاً، وكانت عدَّة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً، كاملاً، وكانت عدَّة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً، وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول، وكان نفقتها وسكناها واجبةً في مال زوجها تلك السَّنة، ما لم يخرج، ولم يكن لها الميراث، فإن خرجت من بيت زوجها، سقطت نفقتها، وكان على الرجل أن يوصي بها، فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث، فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالرُّبع، والثُّمن، ونسخ عدَّة الحول بـ " أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ".
قال ابن الخطيب : دلَّت هذه الآية على وجوب أمرين : أحدهما : وجوب النفقة، والسُّكنى من مال الزَّوج، سواءٌ قراءة " وَصِيَّةٌ ووصِيَّةً " بالرفع، أو بالنصب.
٢٤٢


الصفحة التالية
Icon