وَجَدْتُ بِهَا طِيباً وإنْ لَمْ تَطَيَّبِ
والرُّؤية هنا علميَّة، فكان من حقِّها أن تتعدَّى لاثنين، ولكنَّها ضمِّنت معنى ما يتعدَّى بإلى.
والمعنى : ألم ينته علمك إلى كذا.
وقال الرَّاغب :" رأيت : يتعدَّى بنفسه دون الجارِّ، لكن لما استعير قولهم :" ألم تَرَ " بمعنى ألم تنظر ؛ عدِّي تعديته، وقلَّما يستعمل ذلك في غير التقدير، لا يقال : رأيت إلى كذا ".
وقرأ السُّلمي :" تَرْ " بسكون الرَّاء، وفيها وجهان : أحدهما : أنه توهَّم أنَّ الراء لام الكلمة، فسكَّنها للجزم ؛ كقوله :[الرجز] ١١٥٢ - قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا سَوِيقَا
وَاشْتَرْ فَعَجِّلْ خَادِماً لَبِيقَا
وقيل : هي لغة قومٍ، لم يكتفوا في الجزم بحذف حرف العلَّة.
والثاني : أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا أولى، فإنَّه كثيرٌ في القرآن ؛ نحو :" الظُّنُونَا "، و " الرَّسُولاَ "، و " السَّبِيلاَ "، و " لَمْ يَتَسَنَّهُ "، و " بِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ " وقوله :" وَنُصْلِهِ "، و " نُؤْتِهِ "، و " يُؤَدِّه "، وسيأتي ذلك، إن شاء الله تعالى.
قوله :﴿وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ، وهذه الجملة في [موضع] نصب على الحال، وهذا أحسن مجيئها، إذ قد جمع فيها بين الواو والضمير، و " أُلوفٌ " فيه قولان : أظهرهما : أنه جمع " ألْف " لهذا العدد الخاصِّ، وهو جمع الكثرة، وجمع القلّة : آلاف كحمول، وأحمال.
٢٤٧
والثاني : أنه جمع " آلِف " على فاعل كشاهدٍ وشهود، وقاعدٍ وقُعودٍ، أي : خرجوا وهم مؤتلفون، قال الزَّمخشريُّ :" وهذا من بِدَع التَّفاسير ".
قوله تعالى :﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ أي من خوف الموت وهو مفعولٌ من أجله، وفيه شروط النَّصب، أعني المصدرية، واتحاد الفاعل، والزمان.
قوله :﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنه معطوفٌ على معنى : فقال لهم الله : موتوا، لأنَّه أمرٌ في معنى الخبر تقديره : فأماتهم الله ثم أحياهم.
والثاني : أنه معطوفٌ على محذوفٍ، تقديره : فماتوا ثم أحياهم بعد موتهم، و " ثم " تقتضي تراخي الإحياء عن الإماتة.
وألف " أَحْيَا " عن ياء ؛ لأنَّه من " حَيِيَ "، وقد تقدَّم تصريف هذه المادّة عند قوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً﴾ [البقرة : ٢٦].
فصل قال السُّدِّيُّ وأكثر المفسرين :" كانت قرية يقال لها :" دَاوْردَان " قيل واسط، وقع بها الطَّاعون، فخرج عامَّة أهلها، وبقيت طائفةٌ، فهلك أكثر الباقين وبقي منهم بقيَّةٌ في المرض والبلاء، فلما ارتفع الطَّاعون ؛ رجع الَّذين هربوا سالمين فقال من بَقِيَ من المرضى : هؤلاء أحزم منّا، لو صنعنا كما صنعوا لنجونا، ولئن وقع الطَّاعون ثانيةً لنخرجنّ إلى أرض لا وباء فيها، فوقع الطاعون من قابِلٍ ؛ فهرب عامَّة أهلها، وهم بضعةٌ وثلاثون ألفاً ؛ حتى نزلوا وادياً أفيح فلمّا نزلوا المكان الذين يبتغون فيه النَّجاة، ناداهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه :" أنْ مُوتُوا " فماتوا جميعاً وبليت أجسامهم، فمرَّ بهم نبيٌّ يقال له :" حِزْقِيل بن يوذي " : ثالث خلفاء بني إسرائيل، بعد موسى - عليه الصَّلاة والسَّلام -، وذلك أن القيم بعد موسى بأمر بني إسرائيل يُوشَعُ بْنُ نُون ثم كالب بن يوفنا، ثم حزقيل، وكان يقال له : ابن العجوز ؛ لأنَّه أمَّه كانت عجوزاً، فسألت الله الولد بعدما كبرت، وعقمت، فوهبه الله لها ".
قال الحسن، ومقاتل : هو ذو الكفل، وسمِّي : ذا الكفل ؛ لأنَّه تكفَّل بسبعين نبيّاً، وأنجاهم من القتل، فلمَّا مرَّ حزقيل على أولئك الموتى، وقف متفكّراً فيهم متعجِّباً، فأوحى الله إليه أتريد أن أُريك آيةً ؟ قال : نعم، فقيل له : نادِ! يَا أَيُّهَا العِظَامُ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكِ أن تَجْتَمِعِي، فجعلتِ العِظَامُ يَطِيرُ بعضها إلى بعض، حتى تمّت العِظَامُ، ثم أوحى اللهُ
٢٤٨