فصل دلَّت هذه الآية على بطلان قول من يقول : إنَّ الإمامة موروثةٌ، وذلك ؛ لأنَّ بني إسرائيل لمَّا أنكروا أن يكون الملك من غير بيت المملكة ؛ أسقط الله هذا الشَّرْط، وبيَّن أنَّ المستحقَّ للملك من خصَّه الله به فقال :﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ﴾، وهذه الآية نظير قوله :﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ﴾ [آل عمران : ٢٦].

فصل والمراد بالبسطة في الجسم : الجمال، وقيل : المراد : طول القامة.


قيل : كان أطول من كل أحدٍ برأسه، وبمنكبه.
وقيل : المراد القوَّة.
قال ابن الخطيب : وهذا القول عندي أصحُّ ؛ لأنَّ المنتفع به في دفع الأعداء هو القوَّة، والشِّدة، لا الطُّول، والجمال.
قوله :﴿فِي الْعِلْمِ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنَّه متعلِّقٌ بـ " بَسْطَة " كقولك :" بَسَطْتُ لَهُ في كَذَا ".
والثاني : أنه متعلّقٌ بمحذوفً ؛ لأنه صفةٌ لـ " بَسْطَة "، أي : بَسْطَة مستقرةً أو كائنة.
قوله :﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ﴾.
قال بعض المفسِّرين : هذا من كلام الله تعالى لمحمّدٍ - عليه الصَّلاة والسَّلام -، والمشهور : أنَّه من قول أشمويل، قال لهم ذلك، لمَّا علم من تعنتهم وجدالهم في الحجج، فأراد أن يتمِّم كلامه بالقطعي، الذي لا اعتراض عليه فقال :﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ﴾، وأضاف ملك الدُّنيا إلى الله إضافة مملوكٍ إلى ملكٍ.
قوله :﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على النسب، أي : ذو سعة رحمة، كقولهم : لابنٌ، وتامرٌ، أي : صاحب تمرٍ ولبنٍ.
والثاني : أنَّه جاء على حذف الزوائد من أوسع، وأصله مُوسِعٌ.
وهذه العبارة إنَّما يتداولها النَّحويون في المصادر فيقولون : مصدرٌ على حذف الزوائد.
والثالث : أنه اسمُ فاعلٍ من " وَسِع " ثلاثياً ؛ قال أبو البقاء :" فالتَّقدير على هذا : واسع الحِلم ؛ لأنَّك تقول وسع حلمه ".
فصل في تفسير قوله ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ في قوله :﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ثلاثة أقوال :
٢٧٢
أحدها : أنَّه واسع الفضل، والرَّزق، والرَّحمة، وسعت رحمته كلَّ شيءٍ، والتَّقدير : أنتم طعنتم في طالوت، لكونه فقيراً، فالله تعالى واسع الفضل، يفتح عليه أبواب الرِّزق، والسَّعة، كما في المال ؛ لأنه فوّض إليه الملك، والملك لا يتمشَّى إلاَّ بالمال.
والثاني، والثالث : ما تقدَّم في الإعراب آنفاً من كونه بمعنى :" مُوسِعٌ " وذو سعة، والعليم العالم وقيل : العالم بما كان، والعليم بما يكون.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
اعلم أنَّه لما أخبرهم نبيهم : بأنَّ الله تعالى، بعث لهم طالوت ملكاً، وأبطل حجَّتهم قالوا :" فَمَا آيَةُ مُلْكِهِ ؟ قال :﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾.
قوله تعالى :﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ :" أَنْ "، وما في حيِّزها في محلِّ رفع خبرٍ لـ " إِنَّ " تقديره : إنَّ علامة ملكه إيتاؤكم التَّابوت.
وفي " التَّابوتِ "، قولان : أحدهما : أنه فاعولٌ، ولا يعرف له اشتقاقٌ، ومنع قائل هذا أن يكون وزنه فعلوتاً مشتقاً من تاب يتوب كملكوت من الملك ورهبوت من الرُّهب، قال : لأنَّ المعنى لا يساعد على ذلك.
الثاني : أن وزنه فعلوت كملكوت، وجعله مشتقاً من التَّوب وهو الرُّجوع، وجعل معناه صحيحاً فيه، لأنَّ التَّابوت هو الصُّندوق الذي توضع فيه الأشياء، فيرجع إليه صاحبه عند احتياجه إليه، فقد جعلنا فيه معنى الرجوع.
والمشهور أن يوقف على تائه بتاءٍ من غير إبدالها هاءً ؛ لأنَّها إمَّا أصلٌ إن كان وزنه فاعولاً، وإمَّا زائدةٌ لغير التَّأنيث كملكوت، ومنهم من يقلبها هاءً، وقد قرئ بها شاذّاً، قرأها أُبيّ، وزيد بن ثابت، وهي لغة الأنصار، ويحكى أنهم لمَّا كتبوا المصاحف زمن عثمان - رضي الله عنه - احتلفوا فيه فقال زيد :" بالهَاءِ "، وقال :[أُبَيّ :] " بالتَّاءِ "، فجاءوا عثمان فقال :" اكْتبوه على لغة قريش " يعني بالتَّاءِ.
٢٧٣


الصفحة التالية
Icon