المُفسِّرين أَنَّ الذين عصوا رجعوا إلى بلدهم، وإنما اختلفوا هل كان رجوعهم بعد مجاوزة النهر أو قبله ؟ والصَّحيح : أنَّهُم لم يجاوزوا النَّهر، وإِنَّما رجعوا قبل المجاوزة لقوله تعالى :﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾.
قال ابن عبَّاس والسُّدِّيُّ : كان المُخالِفون أهل شكٍّ، ونِفاقٍ، فقالوا :﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾ فانحرفوا، ولم يجاوزُوا النَّهرَ.
وقال آخرون : بل جاوزُونا النَّهرَ، وإنما كان رجوعهم بعد المجاوزة، ومعرفتهم بجالوت، وجنوده ؛ لقولهم ﴿لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ﴾.
قوله :﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً﴾ وهذا يدلُّ على أَنَّهُم حين لا قوا العدوّ، وعاينوا كثرتهم انقسموا فرقتين إحداهما : رجعت وهي المخالفة، وبقيت المطيعة.
قوله :﴿جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ " هو " ضميرٌ مرفوعٌ منفصِلٌ مؤكِّدٌ للضّمير المستكنِّ في " جَاوَزَ ".
قوله :" والَّذِين " يحتملُ وجهين : أظهرهما : أنه عطفٌ على الضَّمير المستكنِّ في " جَاوَزَ " لوجود الشَّرط، وهو توكيدُ المعطوفِ عليه بالضَّمير المنفصلِ.
والثاني : أَنْ تكُون الواوُ للحالِ، قالوا : ويلزَمُ من الحالِ أن يكونُوا جاوزوا معه، وهذا القائلُ يجعلُ " الَّذِينَ " مبتدأ، والخبرَ قالوا :" لاَ طَاقَةَ " ؛ فصار المعنى :" َفَمَّا جَاوَزَهُ، والحالُ أنَّ الَّذِين آمنوا قالوا هذه المقالة "، والمعنى ليس عليه.
ويجوزُ إدغامُ هاء " جَاوَزَهُ " في هاء " هُو "، ولا يُعْتدُّ بفصلِ صلةِ الهاءِ ؛ لأنها ضعيفةٌ، وإِنْ كان بعضهم استضعف الإِدغام، قال :" إِلاَّ أَنْ تُخْتَلَسَ الهاءُ "، يعني : فلا يبقى فاصلٌ.
وهي قراءة أبي عمرو، وأدغم أيضاً واوَ " هُوَ " في واو العطف بخلاف عنه، فوه الإِدغام ظاهرٌ لالتقاءِ مثلين بشروطِهما.
ومَنْ أظهر وهو ابن مجاهدٍ، وأصحابُهُ قال :" لأَنَّ الواو إِذا أُدْغِمَت سَكَنَتْ، وإذا سكنت صَدَقَ عليها أنها واوٌ ساكنة قبلها ضمَّةٌ، فصارَت نظير :﴿آمَنُواْ وَكَانُواْ﴾ [يونس : ٦٣] فكما لا يُدغم ذاك لا يدغم هذا.
وهذه العِلَّةُ فاسدةٌ لوجهين : أحدهما : أنها ما صارَتْ مثلَ " آمنوا، وكانوا " إلا بعد الإِدغام، فكيف يُقال ذلك ؟
٢٨٥


الصفحة التالية
Icon