الثالث : بدل من موضع :﴿لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ فيكون في المعنى خبراً للجلالة، وهذا في المعنى كالأول، إلا أنَّه هنا لم يخبر عن الجلالة إلاَّ بخبرٍ واحدٍ بخلاف الأول.
الرابع : أن يكون بدلاً من " هُوَ " وحده، وهذا يبقى من باب إقامة الظاهر مقام المضمر، لأنَّ جملة النَّفي خبرٌ عن الجلالة، وإذا جعلته بدلاً حلَّ محلَّ الأول، فيصير التقدير : الله لا إله إلا الله.
الخامس : أن يكون مبتدأٌ وخبره ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾.
السادس : أنه بدلٌ من " اللهِ ".
السابع : أنه صفة لله، وهو أجودها، لأنه قرئ بنصب " الحيَّ القَيُّومَ " على القطع، والقطع إنَّما هو في باب النَّعت، ولا يقال في هذا الوجه الفصل بين الصِّفة والموصوف بالخبر، لأنَّ ذلك جائزٌ حسن [تقول : قائمٌ العاقلُ].
و ﴿الْحَيُّ﴾ فيه قولان : أحدهما : أن أصله حييٌ بياءين من حيي يحيا فهو حيٌّ، وإليه ذهب أبو البقاء.
والثاني : أنَّ أصله حيوٌ فلامه واو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها متطرِّفة، وهذا لا حاجة إليه، وكأنَّ الذي أحوج هذا القائل إلى ادِّعاء ذلك أنَّ كون العين، واللام من واد واحدٍ هو قليل في كلامهم بالنسبة إلى عدم ذلك فيه، ولذلك كتبوا " الحَيَاةَ " بواوٍ في رسم المصحف العزيز تنبيهاً على هذا الأصل، ويؤيده " الحَيَوَانُ " لظهور الواو فيه.
ولناصر القول الأول أن يقول : قلبت الياء الثانية واواً تخفيفاً ؛ لأنَّه لمَّا زيد في آخره ألفٌ ونونٌ استثقل المثلان.
وفي وزنه أيضاً قولان : أحدهما : أنه فعل.
والثاني : أنَّه فيعل فخُفِّف، كما قالوا ميْت، وهيْن، والأصل : هيّن وميّت.
قال السُّدِّيُّ المراد بـ " الحَيّ " الباقي ؛ قال لبيدٌ :[الطويل] ١١٧٥ - فَإِمَّا تَرَيْنِي اليَوْمَ أَصْبَحْتُ سَالِماً
فَلَسْتُ بِأَحْيَا مِنْ كِلاَبٍ وَجَعْفَرِ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٣
وقال قتادة : والحيُّ الذي لا يموتُ والحيُّ اسمٌ من أسمائه الحسنى، ويقال إنه اسم الله الأعظم.
٣١٤
وقيل إنَّ عيسى ابن مريم - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان إذا أراد أن يحيي الموتى يدعو بهذا الدعاء " يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ".
ويقال : إنَّ آصف بن برخيا، لمَّا أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان - عليه الصَّلاة والسَّلام - دعا بقوله :" يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ".
ويقال إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم " أيا هيا شراهيا " يعني " يا حي يا قيوم "، ويقال هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يا حي يا قيوم وعن علي - رضي الله عنه - لما كان يوم بدر جئت أنظر ما يصنع النبي ﷺ فإذا هو ساجدٌ يقول " يَا حَيُّ يَا قيُّومُ "، فترددت مرات، وهو على حاله لا يزيدعلى ذلك إلى أن فتح الله له.
وهذا يدلُّ على عظمة هذا الاسم.
والقيُّوم : فيعولٌ من : قام بالأمر يقوم به، إذا دبَّره ؛ قال أميَّة :[الرجز] ١١٧٦ - لَمْ تُخْلَقِ السَّمَاءُ والنُّجُومُ
وَالشَّمْسُ مَعْهَا قَمَرٌ يَعُومُ
قَدَّرَهُ مُهَيْمِنٌ قَيُّومُ
وَالحَشْرُ وَالجَنَّةُ والنَّعِيمُ
إلاَّ لأَمْرٍ شَأْنُهُ عَظِيمُ
وأصله " قَيْوُومٌ "، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فصار قيُّوماً.
وقرأ ابن مسعود والأعمش ويروى عن عمر :" الحَيُّ القَيَّام "، وقرأ علقمة :" القَيِّم " وهذا كما يقولون : ديُّور، وديار، وديِّر.
ولا يجوز أن يكون وزنه فعُّولاً كـ " سَفُّود " إذ لو كان كذلك ؛ لكان لفظه قوُّوماً ؛ لأنَّ العين المضاعفة أبداً من جنس الأصليَّة كسُبُّوح، وقُدُّوس، وضرَّاب، وقتَّال، فالزَّائد من جنس العين، فلمَّا جاء بالياء دون الواو ؛ علمنا أنَّ أصله فيعول، لا فعُّول، وعدَّ بعضهم فيعولاً من صيغ المبالغة كضروبٍ، وضرَّاب.
قال بعضهم : هذه اللَّفظة عبريَّة ؛ لأنَّهم يقولون " حياً قياماً "، وليس الأمر كذلك ؛ لأنا قد بيَّنا أن له وجهاً صحيحاً في اللُّغة.
٣١٥


الصفحة التالية
Icon