يريد والعاديات التي قال تعالى :﴿وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ [الصافات : ١٦٤] أي من له.
قوله :﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ فيه قولان : أحدهما : أنَّهُ تعالى يسمع قول من يتكلم بالشَّهادتين، وقول من يتكلَّم بالكُفْر، ويعلمُ ما في قلب المؤمِنِ من الاعتقاد الطاهر، وما في قلب الكافر من الاعتقاد الخبيث.
الثاني : روى عطاء عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال : كان رسول الله - ﷺ - يحب إسلام أهل الكِتاب من اليهود الذين كانوا حول المدينة، وكان يَسْأَلُ الله ذلك سِرّاً، وعلانية، فمعنى قوله ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ يريدُ لدعائك يا محمَّد عليم بحرصك واجتهادك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٧
" الوليّ " فعيل بمعنى : فاعل من قولهم : ولي فلان الشَّيء يليه ولاية، فهو وَال وولى، وأصله من الوَلْي الَّذي هو القُرْبُ ؛ قال الهُذليُّ :[الكامل] ١١٨٨ -.......................
وَعَدَتْ عَوَادٍ دُونَ وَلْيِكَ تَشْعَبُ
ومنه يقال داري تلي دارها، أي : تقرب منها ومنه يُقالُ للمحبّ المقارب ولي ؛ لأَنَّهُ يقرب منك بالمحبَّةِ والنُّصرة، ولا يفارقك، ومنه الوالي ؛ لأَنَّه يلي القوم بالتَّدبير والأمر والنّهي، ومنه المولى، ومن ثمّ قالوا في خلاف الولاية : العداوة من عدا الشَّيء : إذا جاوزه، فلأجل هذا كانت العَدَاوةُ خلاف الوِلاَية ومعنى قوله تبارك وتعالى :﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾، أي : ناصرهم ومعينهم، وقيل : مُحبهم.
وقيل : متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره.
وقال الحسنُ : ولي هدايتهم.
قوله :﴿يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾، أي : من الكُفْرِ إلى الإيمان.
قال الواقدي : كلّ ما في القرآن من الظُلُماتِ، والنور فالمرادُ منه : الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام : ١] فالمراد منه اللَّيل والنَّهار، سُمي الكفر ظُلمة لالتباس طريقه، وسُمي الإسلام نُوراً، لوضوح طريقه.
وقال أَبو العبَّاس المُقْرىءُ " الظُّلُمَات " على خمسة أوجه : الأول :" الظُّلُمَاتُ " الكفر كهذه الآية الكريمة.
الثاني : ظُلمة اللَّيلِ قال تعالى :﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ يعني اللَّيل والنهار.
الثالث : الظُّلُمَات ظلمات البر والبحر والأهوال قال تعالى :﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الأنعام : ٦٣] أي من أهوالهما.
الرابع :" الظُّلُمَات " بطون الأُمَّهات، قال تعالى :﴿فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ﴾ [الزمر : ٦] يعني المشيمة والرحم والبطن.
الخامس : بطنُ الحُوتِ قال تعالى :﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ [الأنبياء : ٨٧] أي في بطنِ الحوت.
٣٣٣
فصل في سبب النُّزولِ ظاهر الآية يقتضي أنهم كانُوا في الكفر، ثم أخرجهم اللهُ تعالى من ذلك الكُفْرِ إلى الإِيمان، وها هنا قولان : الأول : أَنَّ هذه الآية مختصَّةٌ بمن كان كافراً، ثم أَسلم، وذكر في سبب النُّزول روايات : أحدها : قال مجاهدٌ : نزلت هذه الآية في قوم آمنوا بعيسى، وقوم كفروا به، فلما بعث اللهُ سبحانه وتعالى محمداً - عليه الصَّلاة والسَّلام - آمن به من كفر بعيسى وكفر به من آمن بعيسى.
وثانيتهما : أنها نزلت في قوم آمنوا بعيسى - عليه الصَّلاة والسَّلام - على طريقة النَّصَارى، ثم آمنوا بعده بمحمد - عليه الصَّلاة والسَّلام - فقد كان إِيمانهم بعيسى حين آمنوا به كفراً، وظلمةً، لأَنَّ القول بالاتِّحاد كفرٌ باللهِ تعالى، أخرجهم من تِلْكَ الظُّلمات إلى نور الإِسلامِ.
وثالثتها : أنها نزلت في كُلِّ كافر أسلم وآمن بمحمد - ﷺ -.
القول الثاني : أَنْ يحمل اللَّفظ على كُلِّ مَنْ آمن بمحمد - ﷺ - سواء كان ذلك الإيمان بعد كُفْرٍ، أو لم يكن ؛ لأنه إخراج من ظُلُمات الكفر إلى نور الإِسلامِ ؛ لقوله تعالى :﴿وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا﴾ [آل عمران : ١٠٣] ومعلومٌ أَنهم ما كانوا في النار أَلْبَتَّةَ، وقال في قِصَّة يُوسُف عليه الصَّلاة والسَّلام ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف : ٣٧] ولم يكن فيها قطّ، وسمي النَّبيُّ - ﷺ - إنساناً يقولُ : أشهد ألا إله إِلا الله، فقال :" عَلَى الفِطْرَةِ "، فلما قال : أشهَدُ أَنَّ محمداً رسول اللهِ قال :" خَرَجَ مِنَ النَّارِ "، ومعلوم أنه ما كان فيها.
روي أنه عليه السَّلامُ أقبل على أَصحابه، فقال " تَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ تَهَافُتَ الجَرَادِ، وَهَا أَنَا آخِذٌ بِحُجزِكُم " ومعلوم أَنَّهم ما كانوا متهافتين في النَّارِ.

فصل استدلَّ بعضُ العُلماء بهذه الآية على أَنَّ الغاية تدخل في المُغيَّا.


لقوله تعالى على لسانه
٣٣٤


الصفحة التالية
Icon