فناشِر : مِنْ نَشَر ؛ بمعنى : حَيِيَ.
والمراد بقوله ننشرها، أي : نُحْييها، يقال أنشر الله الميتَ ونشرَهُ، قال تعالى :﴿ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ﴾ [عبس : ٢٢] وقد وصف اللهُ العِظِام بالإِحياءِ في قوله :﴿مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ﴾ [يس : ٧٨، ٧٩].
٣٦٠
وأَمَّا قراءةُ الزَّاي فمن " النَّشْزِ " وهو الارتفاعُ، ومنه :" نَشْزُ الأَرْضِ " وهو المرتفع، ونشوزُ المرأةِ، وهو ارتفاعها عن حالها إلى حالةٍ أُخرى، فالمعنى : يُحرِّك العِظام، ويرفعُ بعضها إلى بعضٍ للإِحياء.
قال ابن عطية :" وَيَقْلَقُ عندي أَنْ يكونَ النشوزُ رفعَ العِظَامِ بعضها إلى بعضٍ، وإنما النشوزث الارتفاعُ قليلاً قليلاً "، قال :" وانظر استعمال العربِ، تَجده كذلك ؛ ومنه :" نَشَزَ نَابُ البَعِير " و " أَنْشَزُوا، فَأَنْشَزوا "، فالمعنى هنا على التدرُّج في الفعلِ " فجعل ابنُ عطية النشوزَ ارتفاعاً خاصّاً.
ومَنْ ضَمَّ النونَ جعلهُ مِنْ " أَنْشَزَ "، ومَنْ فَتَحها، فَمِنْ " نَشَزَ "، يقال :" نَشَزه " و " أَنْشَزَه " بمعنى.
ومَنْ قرأَ بالياءِ، فالضميرُ لله تعالى.
وقرأ أُبيّ " نُنْشِئُها " من النَّشْأَةِ.
ورجَّح بعضهم قراءة الزاي على الراء، بِأَنْ قال : العِظامُ لا تُحْيَا على الانفرادِ ؛ بل بانضمام بعضِها إلى بعضٍ، والزايُ أَوْلى بهذا المعنى ؛ إذ هو بمعنى الانضمام دونَ الإِحياءِ، فالموصُوفُ بالإِحياءِ الرجلُ دونَ العظامِ، ولا يقال : هذا عظمٌ حيٌّ.
وهذا ليس بشيءٍ ؛ لقوله :﴿مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس : ٧٨].
ولا بُدَّ من ضميرِ محذوفٍ من قوله :" العِظام " أي ؛ العظامِ منه، أي : من الحمارِ، أو تكونُ " أَلْ " قائمةً مقامَ الإِضافة، أي : عظامِ حمارِك.
قوله :" لَحْماً " مفعولٌ ثانٍ لِـ " نَكْسُوها " وهو من باب أَعْطَى، وهذا من الاستعارة، ومثله قول لبيدٍ :[البسيط] ١٢٠٦ - الحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يَأْتِيني أَجَلِي
حَتَّى اكْتَسَيْتُ مِنَ الإِسْلاَمِ سِرْبَالا
قوله :" فَلَمَّا تَبَيَّنَ " في فاعل " تَبيَّن " قولان : أحدهما : مُضمرٌ يُفَسِّره سياقُ الكلامِ، تقديرُهُ : فلمَّا تبيَّن له كيفيةُ الإِحياءِ التي استقر بها، وقدَّره الزمخشريُّ :" فلمَّا تبيَّن له ما أَشْكَل عليه " يعني مِنْ أَمْرِ إِحياءِ الموتى، والأَوَّلُ أَوْلَى ؛ لأنَّ قوةَ الكلامِ تدِلُّ عليه بخلافِ الثاني.
والثاني :- وبه بدأ الزمخشري - : أن تكون المسألةُ من بابِ الإِعمالِ، يعني أن " تَبَيَّن " يطلُبُ فاعلاً، و " أَعْلَمُ " يطلبُ مفعولاً، و " أَنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ " يصلُح أَنْ يكونَ فاعلاً لتبيَّن، ومفعولاً لأعلَمُ، فصارَتِ المسألةُ من التنازع، وهذا نصُّه، قال : وفَاعِلُ " تبيَّن " مضمرٌ تقديره : فلمَّا تبيَّن له أَنَّ الله على كل شيءٍ قدير قال : أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ
٣٦١


الصفحة التالية
Icon