أي : المذلَّل.
ولما كانت العبادة أشرف الخصال والتسمّي بها أشرف الخطط سمَّى نبيه عبداً.
قوله :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ﴾ جواب الشرط، والفاء هنا واجبة ؛ لن ما بعدها لا يصحّ أن يكون شرطاً بنفسه، واصل " فأتوا " " إأْتِيُوا " مثل : اضربوا، فلهمزة الأولى همزة وصل أُتي بها للابتداء بالسَّاكن، والثَّانية فاء الكلمة، فلما اجتمع همزتان، وجب قلب ثانيهما ياءً على حَدِّ " إيمان " وبابه، واستثقلت " الضمة " على " الياء " التي هي " لام " الكلمة فقدرت، فسكنت " الياءط وبهدها طواو " الضمير ساكنة، فحذف " الياء " لالتقاء ساكنين، وضُمّت " التاء " للتجانُسِ، فوزن " ايتوا " :" افعوا "، وهذه الهمزة إنما يحتاج إليها ابتداءً، أما في الدَّرْج فإنه يُسْتَغْنَى عنها، وتعودُ الهمزةُ اليت هي " فاءُ " الكلمة ؛ لأنّها إنّما قُلِبَتْ ياءً للكسرِ الذي كان قبلها، وقد زال نحو :" فأتوا " وبابه، وقد تحذف الهمزة التي هي " فاء " الكلمة في الأمر كقوله :[الطويل] ٢٩٠ - فَإِنْ نَحْنُ لَمْ نَنْهَضْ لَكُمْ فَنَبَرَّكُمْ
فَتُونَا فَعَادُونَا إذاً بالجَرَائِمِ
٤٣٣
يريد : فأتونا كقوله : فأتوا.
قال ابن كيسان :" وهو أمر معناه التعجيز ؛ لأنه - تعالى - علم عجزهم عنه ".
و " بسورة " متعلّق بأتُوا، والسورة واحدة السُّوَر، وهي طائفة من القُرْآن.
وقيل : السُّورة الدَّرجة الرفيعة، قال النابغة :[الطويل] ٢٩١ - أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَعْطَاكَ سُورَةً
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَها يَتَذَبْذَبُ
وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأن قارئها يشرف بها وترفعه، أو لرفعة شأنها، وجلالة محلّها في الدِّين، وإن جعلت واوها منقلبة عن " الهمزة "، فيكون اشتقاقها من " السُّؤْر "، وهو البقية، والفضلة ؛ ومنه :" أَسْأَرُوا في الإِنَاءِ " ؛ قال الأعشى :[المتقارب] ٢٩٢ - فَبَانَتْ وَقَدْ أَسَأَرتْ في الفُؤَا
دِ صَدْعاً عَلَى نَأْيِهَا مُسْتَطِيرَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢٩
أي : أَبْقَتْ، ويدلّ على ذلك أن " تميماً " وغيرها يهمزون فيقولون : سؤرة بالهمزة.
وسميت سورة القرآن بذلك ؛ لأنها قطعة منه، وهي على هذا مخفّفة من " الهمز ".
وقيل : اشتقاقها من سُور البناء ؛ لأنها تحيط بقارئها، وتحفظه كَسُورِ المدينة، ولكنّ جَمْعَ سُورةِ القرآن سُوَر بفتح الوَاوِ، وجَمْعَ سُورةِ البناء سُوْر بسكونها، ففرقوا بينهما في الجمع.
فإن قيل : ما فائدةُ تقطيع القُرْآن سُوَراً ؟ قلنا : وجوه : أحدها : ما لجله بوب المصنِّفون كتبهم أبواباً وفصولاً.
وثانيها : أن الجنس إذا حصل تحته كان إفراد كل نوع من صاحبه أحسن.
وثالثها : أنّض القارئ إذا ختم سورة، أو باباً من الكتاب، ثم أخذ في آخر كان أنشط له، كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلاً أو طوى فرسخاً نشطه للمسير.
فَصْلٌ في بيان أن ترتيب القرآن توقيفي قال ابن الخطيب : قوله :" فأتوا بسورة " يدلُّ على أن القرآن وما هو عليه من كونه سوراً هو على حدّ ما أنزله الله - تعالى - بخلاف قول كثير من أهل الحديث، أنه نظم على هذا الترتيب في أيام عثمان، فلذلك صحّ التحدّي بالقرآن على وجوه :
٤٣٤


الصفحة التالية
Icon