السادس : قال ابن كَيْسَانَ :" ألف " اله " وكل ألف مع لام التعريف [ألف] قطع بمنزلة " قَدْ " وحكمها حكم ألف القطع ؛ [لأنهما حرفان جاء لمعنى]، وإنما وُصِلَت لكثرة الاستعمال، فمن حرك الميم ألقى عليها حركة الهمزة التي بمنزلة القاف من " قَدْ " ففتحها بفتح الهمزة "، نقله عنه مَكِّي.
فعلى هذا هذه حركة نقل من همزة قطع، وهذا المذهب مشهور عن الخليل بن أحمد، حيث يعتقد أن التعريف حصل بمجموع " أل "، كالاستفهام يحصل بمجموع " هَلْ "، وأن الهمزة ليست مزيدة، لكنه مع اعتقاده ذلك يوافق على سقوطها في الدَّرْج ؛ إجراءً لها مُجْرَى همزة الوصل، لكثرة الاستعمال، لذلك قد تثبت ضرورةً ؛ لأن الضرورة ترد الأشياء إلى أصولها.
ولما نقل أبو البقاء هذا القول ولم يَعْزُه، قال :" وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف " أل " - يعني الخليل ؛ لأنه المشهور بهذه المقالة ".
وقد تقدم النقل عن عاصم أنه يقرأ بالوقف على " ميم " ويبتدئ بـ ﴿اللَّهُ لا اا إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ كما هو ظاهر عبارة الزمخشري عنه، وغيره يحكي عنه أنه يسكن الميم ويقطع الهمزة - من غير وقف منه على الميم - كأنه يجري الوصل مجرى الوقف، وهذا هو الموافق لغالب نقل القرّاءِ عنه.
وقرأ عمرو بن عُبَيْدٍ - فيما نقل الزمخشري - وأبو حيوة والرُّواسي فيما نقل ابن عطية " المِ اللهُ " - بكسر الميم -.
قال الزمخشريُّ :" وما هي بمقبولة عنه "، والعجب منه كيف تجرأ على عمرو بن عُبَيْدٍ وهو عنده معروف المنزلة، وكأنه يريد : وما هي بمقبولة عنه، أي : لم تصحَّ عنه.
وكأن الأخفش لم يطلع على أنها قراءة فقال :" لو كُسِرَتِ الميمُ ؛ لالتقاء الساكنين - فقيل :" المِ اللهُ " - لجاز ".
قال الزّجّاج : وهذا غلط من أبي الحسن، لأن قبل الميم ياءٌ مكسوراً ما قبلها فحقها الفتح، لالتقاء الساكنين، وذلك لثقل الكسر مع الياء.
وهذا - وإن كان كما قال -
إلا أن الفارسيَّ انتصر لأبي الحَسَن، ورَدَّ على أبي إسحاق رَدَّة فقال :" كَسْر الميم لو ورد بذلك سماع لم يدفعه قياس، بل كان يُثْبِتُهُ ويُقَوِّيه - ؛ لأن الأصل في التحريك - لالتقاء الساكنين - الكسر، وإنما يُبْدَل إلى غير ذلك لما يعرض من علَّة وكراهة، فإذا جاء الشيء على بابه فلا وَجْهَ لردِّه، ولا مساغ لدَفْعِه، وقول أبي إسحاق ؛ إن ما قبل الميم ياءً مكسوراً ما قبلها، فحقها الفتح منقوض بقولهم : جَيْرِ، حيث حَرَّك الساكن - بعد الياء - بالكسر، كما حُرك بعدها بالفتح في أيْنَ، ويدل على جواز التحريك لالتقاء الساكنين بالكسر - فيما كان قبله ياء، - جواز تحريكه بالضم نحو قولهم : حَيْثُ، وإذا جاز الضم كان الكسر أجْوَزَ وأسْهَلَ ".
فصل في بيان سبب النزول في سبب نزول هذه الآية قولان : الأول : أنها نزلت في اليهود، وقد ذكرناه في تفسير قوله تعالى :﴿الاما ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة : ١، ٢].
الثاني : أنها من أولها إلى آية المباهلة في نصارى نجران.
قال الكلبي، والربيعُ بنُ أنس - وهو قول محمد بن إسحاقَ - : قدم على رسول الله ﷺ وفد نجران - ستون راكباً - فيهم أربة عشر رجلاً من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا
١٠
أكابر القوم، أحدهم أميرهم، وصاحب مشورتهم، يقال له : العاقب، واسمه عبد المسيح، والثاني مشيرهم ووزيرهم، وكانوا يقولون له : السيد، واسمه الأيهم، والثالث حبرهم وأسقفهم، وصاحب مِدْراسهم، يقال له : أبو حارثة بن علقمة - أحد بني بكر بن وائل - وكان ملوك الروم قد أكرموه وشرَّفوه، وموَّلوه ؛ لِما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما قدموا من " نجران " ركب أبو حارثةَ بغلتَه، وكان إلى جنبه أخوه كُرْزُ بنُ علقمةَ، فبينما بغلة ابي حارثةَ تسير إذ عَثَرَتْ، فقال كُرز : تَعْساً للأبعد - يريد رسولَ الله ﷺ - فقال أبو حارثة : بل تَعِسَتْ أمُّك، فقال : ولِمَ يا أخي ؟ فقال : إنه - واللهِ - النبيُّ الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز : فما يمنعك عنه وأنت تعلم هذا ؟ قال : لأن هؤلاء الملوك أعطَوْنَا أموالاً كثيرةً، وأكرمونا، فلو آمنَّا بمحمد لأخذوا مِنَّ كُلَّ هذه الأشياءِ، فوقع ذلك في قَلْبِ أخيه كُرْز، وكان يُضْمِره إلى أن أسْلم ؛ فكان يُحَدِّثُ بذلك، ثم دخلوا مسجدَ رسول الله ﷺ حين صلى العصر - عليهم ثياب الحِبراتِ جبب وأرْدِيَةٌ -، وقد حانت صلاتهم، فقاموا للصلاة [العاقب والسيد والحبر] في مسجد رسول الله ﷺ، فقال رسول الله : دعوهم، فصلوا إلى المشرق، ثم
١١