قوله :" ما تشابه " مفعول الاتباع، وهي موصولة، أو موصوفة، ولا تكون مصدريةً ؛ لعَوْد الضمير من " تشابه " عليها، إلا على رأيٍ ضعيفٍ، و " مِنه " حال من فاعل " تَشَابه " أي تشابه حال كونه بعضه.
قوله :" ابْتِغَاءَ " منصوب على المفعول له، أي : لأجل الابتغاء، وهو مصدر مضاف لمفعوله.
والتأويل : مصدر أوَّل يُؤوِّلُ، وفي اشتقاقه قولان :
٣٥
أحدهما : أنه من آل يَئُولُ أوْلاً، ومآلاً، أي : عَادَ، ورجع، وآلُ الرجلِ من هذا - عند بعضهم إلا أنهم يرجعون إليه في مُهِمَّاتِهِم ويقولون : أولتُ الشيء : أَي : صرفته لوجهٍ لائقٍ به فانصرف، قال الشاعر :[السريع] ١٣٢٦ - أؤَوِّلُ الْحُكْمَ عَلَى وَجْهِهِ
لَيْسَ قَضَائِي بِالْهَوَى الْجَائِرِ
وقال بعضهم : أوَّلت الشيء، فتأول، فجعل مطاوعه تفعل، وعلى الأول مطاوعه فعل، وأنشد الأعشى :[الطويل] ١٣٢٧ - عَلَى أنَّهَا كَانَتْ تَأوَّلُ حُبَّهَا
تَأوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فأصْحَبَا
أي : يعني أن حبها كان صغيراً، قليلاً، فآل إلى العِظَم كما يَئُول السَّقْبُ إلى الكِبر، ثم قد يُطْلَق على العاقبة، والمردِّ ؛ لأنَّ الأمر يصير إليهما.
الثاني : أنه مشتق من الإيَالَةِ، وهي السياسةُ، تقول العر : قَدْ ألْنَا وَإيلَ عَلَيْنَا، أي : سُسْنَا وساسَنا غيرُنا، وكأن المؤوِّلَ للكلام سايسهُ، والقادر عليه، وواضِعه موضعَه، نُقِل ذلك عن النضر بن شميل.
وفرق الناس بين التفسير والتأويل في الاصطلاح بأن التفسير مقتصر به على ما لا يُعْلَم إلاَّ بالتوقيف كأسباب النزول، ومدلولات الألفاظ، وليس للرأي فيه مَدْخَل، والتأويل يجوز لمن حصلت عنده صفة أهلِ العلمِ، وأدواتٌ يقدر أن يتكلم بها إذا رجع بها إلى أصولٍ وقواعدَ.
فصل روى ابنُ عباسٍ : أن رَهْطاً من اليهود منهم حُيَيّ بنُ أخْطَبَ، وكعبُ بنُ الأشرف ونظراؤهما أتوا النبيَّ ﷺ فقال له حُيَيّ : بلغنا أنه نزلَ عليك الم، فننشدك الله، أنزل عليك ؟ قال : نَعَمْ، قال : فإن كان ذلك حقاً فأنا أعلم مدّة مُلْك أمتك، هي إحْدى وسبعون سنة فهل أنزل غيرُها ؟ قال : نعم، المص، قال : هذه أكثر، هي مائة وإحدى وثلاثون سنة، فهل أنزل غيرها ؟ قال : نعم، المر، قال : هذه أكثر، هي مائتان وإحدى وسبعون سنة، وقد خَلَّطتَ علينا، فلا ندري ابكثيره نأخذ، أم بقليله ونحن ممن لا يُؤمن
٣٦
بهذا ؟ فأنزلَ الله ﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾.
وقال الربيع : هم وَفْدُ نجرانَ، خاصموا النبيَّ ﷺ في عيسى، وقالوا : ألست تزعم أنه كلمةُ الله وروح منه ؟ قال : بلى، قالوا : حَسْبُنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ثم أنزل :﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [آل عمران : ٥٩].
قال ابن جريج : هم المنافقون.
وقال الحسن : هم الخوارج، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾ قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري مَنْ هُمْ، وقال المحققون : إن هذا يَعُم جميعَ المبطلين، قالت عائشة : تلا رسول الله ﷺ هذه الآيةَ منه آيات محكمة هي أم الكتاب وأخر متشابهات إلى قوله : أولي الألباب ﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ فقال رسول الله :" فَإذَا رَأيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأولَئِكَ الذين سمى الله فاحذرهم " وعن أبي غالب قال :" كنت أمشي مع أبي أمامة، وهو على حمار حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق، فإذا رؤوسٌ منصوبة، فقال : ما هذه الرؤوس ؟ قيل : هذه رؤوس يُجاء بهم من العراق، فقال أبو أمامة : كلابُ النار، كلابُ النار، [كلابُ النار] أو قتلى تحت ظل السماء، طوبى لمن قَتَلهم وقتلوه - يقولها ثلاثاً - ثم بكى، فقلت : ما يُبْكيك يا أبا أمامة ؟ قال : رحمةً لهم ؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام، فخرجوا منه، ثم قرأ :﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ الآية، ثم قرأ :﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَات﴾ [آل عمران : ١٠٥]، فقلت : يا أبا أمامة، هم هؤلاء ؟ قال : نعم، قلت : أشيء تقوله برأيك، أم شيء سمعته من رسول اله ﷺ ؟ فقال : إني إذَنْ لَجرِيء، إني إذاً لَجَريءٌ، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه سولم غيرَ مرةٍ ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع، ولا خمس، ولا ست، ولا سبع، ووضع أصبعيه في أذنيه، قال : وإلا فَصُمَّتَا، قالها ثلاثاً - ثم قال : سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول " تَفرَّقَتْ بَنو إسرائيلَ على أحْدَى وسبعينَ فرقةً،
٣٧


الصفحة التالية
Icon