وقال بعضهم : محمول على المعنى، والمعنى : قد كان لكم بيانُ هَذه الآيةِ.
وفي خبر " كان " وَجهَانِ : أحدهما : أنه " لَكُم " و " فِي فِئَتَيْنِ " في محل رفع نَعْتاً لِ " آيَةٌ ".
والثاني : أنه " فِي فِئَتَيْنِ " وفي " لَكُمْ " وجهانِ : أحدهما : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من " آية " ؛ لأنه - في الأصل - صفة لآية، فلمَّا تقدَّم نُصِبَ حَالاً.
الثاني : أنه متعلق بـ " كان " ذكره أبو البقاء، وهذا عند مَنْ يَرَى أنها تعمل في الظرف وحرف الجر ولكن في جَعْل " فِي فِئَتَيْنِ " الخَبَرَ إشْكالٌ، وهو أن حكم اسم " كان " حكم المبتدأ، فلا يجوز، أن يكونَا اسماً لها إلا ما جاز الابتداء به، وهنا لو جعلت " آية " مبتدأ، وما بعدها خبراً لم يجز ؛ إذْ لا مُسَوِّغَ لربتداء بهذه النكرة، بخلاف ما إذا جَعَلْتَ " لَكُم " الخبرَ، فإنَّه جائز لوجود المسوِّغ، وهو تقدُّمُ الخبرِ حرفَ جَرٍّ.
قوله :﴿الْتَقَتَا﴾ في محل جر، صفة لـ " فِئَتَيْنِ "، أي : فئتين ملتقيتين، يعني بالفئتين المسلمين والمشركين يوم بَدر.
قوله :﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ﴾ العامة على رفع " فِئَةٌ " وفيها أوجُه : أحدها : أن تَرْتَفِعَ على البدل من فاعل " الْتَقَتَا "، وعلى هذا فلا بد من ضمير محذوف يعود على " فِئَتَيْنِ " المتقدمتين في الذكر ؛ ليسوغ الوصف بالجملة ؛ إذ لو لم يقدَّر ذلك لما صَحَّ ؛ لخلو الجملة الوصفية من ضمير، والتقدير : في فئتين التقت فئةٌ منهما مؤمنة، وفئة أخرى كافرة.
الثاني : أن يرتفع على خبر ابتداء مُضْمَرٍ، تقديره : إحداهما فئةٌ تقاتل، فقطع الكلام عن أوله، ومِثْلُه ما أنشده الفرّاء على ذلك :[الطويل] ١٣٥٢ - إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَيْنِ شَامِتٌ
وَآخَرُ مُثنٍ بالذي كُنْتُ أصْنَعُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٧
أي أحدهما شامت، وآخر مُثنٍ، ومثله في القطع قول الآخر :[البسيط]
٥٨
١٣٥٣ - حَتَّى إذَا مَا اسْتَقَلَّ النَّجْمُ فِي غَلَسٍ
وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
أي : بعضه مَلْويٌّ، وبَعْضُه مَحْصُود.
قال أبو البقاء : فإن قلتَ : إذا قدرت في الأولى إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والأخرى أي الفئة الأخر كافرة.
قيل : لمَّا عُلِم أن التفريقَ هنا لنفس الشيء المقدم ذكره كان التعريفُ والتنكيرُ واحداً، ومثل الآية الكريمة في هذا السؤال وجوابه البيت المتقدِّم : شامت، وآخر مُثْنٍ، فجاء به نكرة دون ال.
الثالث : أن يرتفع على الابتداء، وخبره مُضْمَر، تقديره : منهما فئةٌ تقاتل، وكذا في البيت، أي : منهم شامت، ومنهم مثنٍ.
ومثله قول النابغةِ :[الطويل] ١٣٥٤ - تَوهَّمْتُ آيَاتٍ لهَا فَعَرَفْتُهَا
لِستَّةِ أعْوَامٍ، وَذَا الْعَامُ سَابِعُ
رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْن لأياً أبِينُهُ
نُؤيٌ كجذمِ الْحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ
تقديره : منهنَّ - أي من الآيات - رمادٌ، ومنهن نُؤيٌ ويحتمل البيت أن يكون - كما تقدم - من تقدير مبتدأ، ورماد خبره، كما تقدم في نظيره.
وقرأ الحسنُ ومجاهدٌ وحُمَيدٌ :﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ﴾ بالجر على البدل من فِئَتَيْنِ "، ويُسَمَّى هذا البدل بدلاً تفصيلياً كقول كُثَيِّر عَزَّةَ :[الطويل] ١٣٥٥ - وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْن رِجْلٍ صَحِيحَةٍ
وَرِجْلٍ رَمَى فِيْهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
هو بدل بعض من كل، وإذا كان كذلك فلا بد من ضمير يعود على المبدل منه، تقديره : فئةٍ منهما.
وقرأ ابن السَّمَيْفَع، وابن أبي عَبْلَة " فِئَةٌ " بالنصب، وفيه أربعة أوجهٍ : أحدها : النصب بإضمار أعني.
٥٩


الصفحة التالية
Icon