وجوز بعضهم : أن يكون مخفَّفاً من " خَيَّل " - بتشديد الياء - نحو مَيْت - في ميِّت - وهيْن في هَيِّن، وفيه نظر ؛ لأن كل ما سُمِع فيه التخفيف سُمِع فيه التثقيل، وهذا لم يُسْمع إلا مخفَّفاً ؛ وهذا تقدم.
وقال الراغب :" الخيل - في الأصل - اسم للأفراس والفرسان جميعاً، قال تعالى :﴿وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ [الأنفال : ٦٠] في الأصل للأفراس، ويستعمل في كل واحد منهما منفرداً، نحو ما رُوِي " يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبي "، فهذا للفرسان، وقوله - عليه السلام - :" عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ "، يعني الأفراس، وفيه نظر ؛ لأن أهل اللغة نَصُّوا على أن قوله - عليه السلام - " يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبي " إما مجاز إضمار أو مجاز علاقة، ولو كان للفرسان حقيقة لما ساغ قولهم.
قوله :" الْمُسَوَّمَة " أصل التسويم : التعليم، ومعنى مسومة : مُعَلَّمة.
قال أبو مسلم : مأخوذ من السيما - بالمد والقصر - ومعناه واحد، وهو الهيئة الحسنة، قال تعالى :﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ [الفتح : ٢٩] واختلفوا في تلك العلامة.
فقال أبو مسلم : هي الأوضاح والغُرز التي تكون في الخيل وهي أن تكون غُرًّا محجلة.
وقال الأصم : البلق.
وقال قتادة : الشِّية.
وقال المؤرج : الكَيّ، والأول أحسن ؛ لأن الإشارة في الآية إلى أشرف أحوالها وقال : بل هي من سوم الماشية، أي : مرعية، يقال : أسَمْتُ ماشيتس، فسامت، قال تعالى :﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل : ١٠]، وسومتها فاستامت، أي : مرعية، فيتعدى - تارة - بالهمزة، وتارة بالتضعيف.
٧٧
وقيل : بل هو من السيمياء - وهي الحسن - فمعنى مُسَومة : أي : ذات حُسن، قاله عكرمة، واختاره النحاس ؛ قال لأنه من الوَسْم، ورد عليه بعضهم : باختلاف المادتين، وأجاب بعضهم بأنه من باب المقلوب، فيصح ما قاله وتقدم تحقيق ذلك في " يسومونكم " وقوله " بسيماهم ".
فصل قال القرطبيُّ : جاء في الخبر عن علي عن النبي ﷺ أن الله عز وجل خلق الفرس من الريح، ولذلك جعلها تطير بلا جناح.
قال وهب بن منبه : خلقها من ريح الجنوب.
وفي الخبر : أن الله تعالى عرض على ىدم جميع الدواب، فقال له : اختر منها واحدة، فاختار الفرس، فقيل له : اخترتَ عِزَّك، فصار اسمه الخيل من هذا الوجه، ويُمِّي خَيْلاً ؛ لأن من ركبها اختال على أعداء الله، وسُمِّي فرساً ؛ لأنه يفترس مسافات الجو افتراس السبع، ويقطعها كالالتهام بيديه على الشيء خَطْفاً وتَنَاولاً، وسمي عَربيًّا ؛ لأنه جيء به من بعد آدم لإسماعيل ؛ جزاء على رفع قواعد البيت، وإسماعيل عربي، فصارت له نحلةً من الله، وسمي عربياً، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال :" لا يَدْخُلُ الشَّيْطَان دَاراً فِيهَا فَرَسٌ عَتِيقٌ "، وإنما سمي عتيقاً ؛ لأنه تخلص من الهجانة، وقال - عليه السلام - :" خَيْرُ الْخَيْلِ الأدْهَمُ، الأقرعُ، الأرْثم ثم الأقرح المحجل طَلْقُ اليَمينِ ".
قوله :﴿وَالأَنْعَامِ﴾ جمع نَعَمٍ، والنعم مختصة بالإبل، والبقر، والغنم.
وقال الهروي : النعم يذكر ويؤنث، فإذا جُمِع أطلق على الإبل والبقر والغنم، وظاهر هذا أنه - قبل جمعه على أنعام - لا يطلق على الثلاثة، بل يختص بواحد منها، وقد صرَّح الفراء بهذا، فقا لالنعم : الإبل فقط قال بعضهم لكونها تشبه النعام في جزاء الصبر.
وقال ابن كيسان : إذا قلت : نعم لم يكن إلا للإبل وإذا قلت : أنعام وقعت على الإبل وكل ما يرعى ؛ قال حسان :[الوافر] ١٣٦٣ - وَكَانَتْ لاَ يَزَالُ بِهَا أنِيْسٌ
خِلالَ مُرُوجِهَا نَعَمٌ وَشَاءُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٠
٧٨


الصفحة التالية
Icon