. وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب وقال: "بَلِّغوا عني ولو آية" (٦) يعني: ولو لم يكن مع أحدكم سوى آية واحدة فليؤدها إلى من وراءه، فبلَّغوا عنه ما أمرهم به، فأدوا القرآن قرآنا، والسنة سنة، لم يلبسوا هذا بهذا؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "من كتب عني سوى القرآن فليمحه" (٧) أي: لئلا يختلط بالقرآن، وليس معناه: ألا يحفظوا السنة ويرووها، والله أعلم.
فلهذا نعلم بالضرورة أنه لم يبق من القرآن مما أداه الرسول ﷺ إليهم إلا وقد بلغوه إلينا، ولله الحمد والمنة، فكان الذي فعله الشيخان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، من أكبر المصالح الدينية وأعظمها، من حفظهما كتاب الله في الصحف؛ لئلا يذهب منه شيء بموت من تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت تلك الصحف عند الصديق أيام حياته، ثم أخذها عمر بعده محروسة معظمة مكرمة، فلما مات كانت عند حفصة أم المؤمنين، رضي الله عنها، حتى أخذها منها أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
قال البخاري، رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، عن


أنس بن مالك، حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة. فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف
٣٨@@@


الصفحة التالية
Icon