يؤخرونه؟ قال: لا. قال محمد: فظننت ظنا إنما كانوا يؤخرونها لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونها على قوله (٦). صحيح أيضا.
قلت: الربعة هي الكتب المجتمعة، وكانت عند حفصة، رضي الله عنها، فلما جمعها عثمان، رضي الله عنه، في المصحف، ردها إليها، ولم يحرقها في جملة ما حرقه مما سواها، إلا أنها هي بعينها الذي كتبه، وإنما رتبه، ثم إنه كان قد عاهدها على أن يردها إليها، فما زالت عندها حتى ماتت، ثم أخذها مروان بن الحكم فحرقها وتأول في ذلك ما تأول (٧) عثمان، كما رواه أبو بكر بن أبي داود:
حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله:

(١) المصاحف (ص ٢٥).
(٢) زيادة من جـ، ط.
(٣) في ط، جـ: "يقول".
(٤) المصاحف (ص ٣١).
(٥) في جـ، ط: "إسناد".
(٦) المصاحف (ص ٣٣).
(٧) في ط: "أول".
أن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كتب منها القرآن، فتأبى حفصة أن تعطيه إياها. قال سالم: فلما توفيت حفصة ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسلن إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر فأمر بها مروان فشققت، وقال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان (١) أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه كان شيء منها لم يكتب (٢). إسناد صحيح.
وأما ما رواه الزهري (٣) عن خارجة عن أبيه في شأن آية الأحزاب وإلحاقهم إياها في سورتها، فذكره (٤) لهذا بعد جمع عثمان فيه نظر، وإنما هذا كان حال جمع الصديق الصحف كما جاء مصرحًا به في غير هذه الرواية عن الزهري، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، والدليل على ذلك أنه قال: "فألحقناها (٥) في سورتها من المصحف" وليست هذه الآية ملحقة في الحاشية في المصاحف العثمانية. فهذه الأفعال (٦) من أكبر القربات التي بادر إليها الأئمة الراشدون أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، حفظا على الناس القرآن، جمعاه لئلا يذهب منه شيء، وعثمان، رضي الله عنه، جمع قراءات الناس على مصحف واحد ووضعه على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله ﷺ في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، فإنه عارضه به عامئذ مرتين؛ ولهذا قال رسول الله ﷺ لفاطمة ابنته لما مرض: "وما أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي". أخرجاه في الصحيحين (٧).
٤٥@@@


الصفحة التالية
Icon