وأما قولنا إلا رجل إلا فى الدار فهو الدار فهو نقيض قولنا لا رجل فى الدار ولكن قولنا : لا رجل إلا فى الدار يفيد ثبوت رجل واحد فقولنا لا رجل فى الدار يفيد ثبوت رجل واحد، فقولنا لا رجل فى الدار وجب أن يفيد عموم النفى، حتى يتحقق التناقض يبن القولين والحاصل أن قولنا لا رجل أقوى فى الدلالة على عموم النفى من قولنا لا رجل، مع أن كل واحد منهما يفيد عموم النفى، ولأجل أن كل واحد منهما يفيد العموم قرئ ( لا ريب فيه ) بالقراءتين، وكذا قوله ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال ).
ولأجل أن البناء على الفتح أقوى فى الدلالة على العموم أتفقوا عليه فى قولنا لا إله إلا الله.
* * *
البحث السادس :
من الناس من يقول : إن تصور الإثبات مقدم على تصور النفى بدليل أن الواحد منا يمكنه أن يتصور الإثبات وأن لم يخطر بباله معنى النفى والعدم ويمتنع عليه أن يتصور العدم والنفى إلا وقد تصور أولاً الإثبات، وذلك لأن العدم المطلق غير معقول، بل العدم لا يعقل إلا إذا أضيف إلى معين، فيقال : عدم الدار، وعدم الغلام، فثبت أن تصور الإثبات أصل ومتقدم، وتصور النفى متأخر وفرع.
وإذا ثبت هذا فما السبب فى أن جعل النفى الذى هو الفرع متقدماً، والإثبات الذى هو الأصل مؤخر؟
والجواب :
أن فى تقديم النفى هاهنا على الإثبات أغراضاً :
الأول : أنه نفى الربوبية عن غيره ثم إثبتها له أكد فى الإثبات من إثباتها له من غير نفيها عن غيره، كما أن قول القائل : ليس فى البلد عالم غير فلان أقوى فى باب المدح من قولنا : فلان عالم البلد.
الثانى : أن لكل إنسان قلباً واحداً، والقلب الواحد لا يتسع بإشتغال شيئين دفعة واحدة فبقدر ما ينفى مشغولاً بأحد الشيئين يبقى محروماً من الشئ الثانى، فقولنا لا إله إلا الله، إخراج لكل ما سوى الله عن القلب، حتى إذا صار القلب خالياً عن كل ما سو الله، ثم خطر فيه


الصفحة التالية
Icon