وتمام القول فيه : أن الإنسان الذى يكون قلبه مفتوناً بدنياه مأسوراً فى الشهوات، يكون سكران عن الآخرة حيران عن الله لم يحصل فيه اليقين ألبتة، لأن قلبه مملؤ بالميل إلى غير الله فلا يحصل فيه الميل إلى الله، أما إذا حصل فى القلب اليقين بأن كان الأمر بخلاف ذلك : وذلك لأن اليقين سمى يقيناً لإستقراره فى القلب، وهوالنور يقال : يقن الماء فى الحفرة إذا أستقر فيها وإذا أستقر النور دام، وإذا دام صارت النفس ذات بصيرة، فاطمأن القلب بجلال الله، ثم أنقطع عن غير الله، فوقف هناك عاجزا، فاستغاث بالله صارخاً مضطراً، فأجابه الحق، فإنه يحجيب دعوة المضطرين فتفرق ذلك النور المتلألئ فى القلب، فأنمحقت به ظلمات الأشتغال بغير الله، فيصير الملكوت مشاهداً له، وهو قول حارثة لرسول الله ﷺ " كأنى أنظر إلى عرش ربى بارزاً " فقال له رسول الله ﷺ " عبد نور الإيمان قلبه ".
ومما يحقق ما قلناه قوله عليه الصلاة والسلام :" من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير، مخلصاً بهاروحه، مصدقاً بها قلبه ولسانه، فتقت له السموات فتقاً حتى يظهر الرب إلى قائلها من أهل الدنيا ".


الصفحة التالية
Icon