فلما عجزوا أتبعه بالتحدى بآية فقال :( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ).
فلما عجزوا عنه مع توافر الدواعى ظهر كونه معجزاً باهراً، وبرهاناً قاهراً
ثم إنه اتبع هذه المسألة بمسألة المعاد، وهى قوله :(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ).
كأنه قيل : إنما قدمنا مدح المؤمنين وذم الكافرين والمنافقين، ولو لم يكن معاد يجد المحسن ثمرة إحسانه، ويجد المسئ عاقبة إساءته، لم يكن ذلك لائقاً بحكمته، وهذا هو المراد من قوله :(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى). وقال فى طه :( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى).
وقال فى ص :(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ).
فظهر بما ذكرنا : أنه تعالى لم يذكر فى أول كتابه إلا دلائل التوحيد
والنبوة والمعاد، فثبت أنه لا بد من تقديم الأصول على الفروع، فلهذا السبب قدم الأمر بالتوحيد على الأمر بالاستغفار، فقال :(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ).
الوجه الثالث فى تقرير هذا الأصل :
أنه تعالى قال فى أولسورة النحل :( يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ)