قلنا : الفرق من وجوه :
الأول : أن يونس عليه السلام كان قد سبقت له المعرفة مع هذه الكلمة، فسبق المعرفة إعانه على قبولها منه.
وأما فرعون فقد تقدم له سبق الكفر، وذلك لأن الذى تقدم له هو النداء إلى نفسه كما قال تعالى :(فَحَشَرَ فَنَادَى (٢٣) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى).
وأما يونس عليه السلام فقد كان ينادى الله. قال تعالى :(وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ). وأيضاً قال :( فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ). وهذا ينبهك على أن من حفظ الله فى الخلوات، يحفظه الله فى الفلوات.
الثانى : أن يونس عليه السلام إنما ذكر هذه الكلمة مع الحضور فقال :(لا إله إلا انت ). فكان فى الحضور والشهود. وأما فرعون فإنه قالها فى الغيبه، فقال :(لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ). فأحال العلم بحقيقة هذه الكلمة على الغير.
الثالث : أن فرعون ذكر هذه الكلمة على سبيل التقليد لبنى إسرائيل، فقال :( آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ). وأما يونس عليه السلام فإنه إنما ذكرها على سبيل الإستدلال مع العجز والإنكسار بسبب تلك الكلمات، ثم قال بعد :(سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فحصل له العجز والإنكسار بسبب الذله، فلما كانت هذه مسبوقة بالعجز والإنكسار ملحوقة بهما لاجرم صارت مقبولة : لقوله تعالى :(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ).


الصفحة التالية
Icon