من سنة العربية فى بيانها أن تجعل فى الصدر دلالة على المراد وإنباءً بالمقصود، كيما يكون السَّامع على بصيرة بما هو متلقٍ له وشان العربيّ فى حياته الاستدلال بما كشف له على ما غاب عنه، وقد علمته حياة الصحراء الاستدلال والفراسة، فكانوا يستخدمون الدليل فى أسفارهم؛ ليكشف لهم ما غاب عنهم، ويهديهم ما اشتكل فى مناهج أسفارهم.
وهم فى بيانهم من قبل نزول القرآن الكريم يتخذون من صدور قصائدهم هوادى إلى مضامينها، وجاء الذكر الحكيم على ما كان من سننهم فى الإنباء بمطالع البيان على مقاصدهم، فكان مطلع كلِّ سورة مضمَّنا معالمَ هادية إلى مقاصدها.
فاتحة الكتاب وأمِّ القرآن الكريم هى مطلعه وفيها إجمال تفصيل القرآن من الأصول والفروع تشريعًا ومن والمعارف واللطائف تثقيفًا، فيحصل لمن تدبَّر " من معانى الفاتحة – تصريحا وتضمينا- علم إجمالى بما حواه القرآن من الأغراض، وذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلّب التفصيل على حسب التمكن والقابلية، ولاجل هذا فرضت قراءة (الفاتحة) فى كل ركعة من الصلاة حرصًا على التذكر مما فى مطاويها " (١)
وكأنَّ المُصلِّي قد استذكر المعاني القرآنيَّة على سبيل الإجمال والإحكام فى كل ركعة.